“الإسرائيليون” باتوا أكثر حذراً في نشر خرائطهم بعد فضح اللبنانيّين لثلاثٍ منها تعترف بحقوق لبنان البحريّة!!
لا أحد يدري إذا ما كان الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان والعدو الاسرائيلي آموس هوكشتاين قد عرض مع المسؤولين “الإسرائيليين” خلال زيارته الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط برفقة الرئيس الاميركي جو بايدن التي بدأها في 13 تموز الجاري من “تلّ أبيب”، ثم انتقل بعدها الى السعودية، موقف لبنان الرسمي الأخير المتمثّل بحصوله على الخط 23 وعلى حقل “قانا” كاملاً، مقابل التخلّي عن الخط 29 وعن حقّه في الجزء الشمالي من حقل “كاريش”. هذا إذا اعتبرنا أن لا وجود لحقول نفطية أخرى “مفترضة” في المنطقة المتنازع عليها.. فوسط تهليل المسؤولين اللبنانيين وإعلانهم عن قرب التوصّل الى حلّ لملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وقرب توقيع “الإتفاق” في أيلول المقبل، وآخره كلام مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم عن “قرب استعادة لبنان غناه”، أي من عائدات ثروته النفطية، يجري التساؤل عمّا اذا كان لبنان بأكمله، ومن ضمنه ملف الترسيم البحري، قد دخل في التسوية الدولية الإقليمية، وعمّا يُمكنه أن يجنيه منها؟!
تقول أوساط ديبلوماسية متابعة لملف الترسيم البحري مع العدو الإسرائيلي، بأن لا مصارحة فعلية للشعب اللبناني حوله. فصحيح بأنّ الصلاحيات قد منحها الدستور لرئيس الجمهورية فيما يتعلّق بعقد المعاهدات والإتفاقيات، وأنّ موافقة كلّاً من مجلسي الوزراء والنوَّاب مطلوبة لإبرام أي إتفاقية، وأنّ المسؤولين اللبنانيين يتكلّمون باسم لبنان وشعبه، غير أنّ هذا الأخير هو حتى الآن بمنأى عمّا يدور في المحادثات، وعمّا يُطرح في العروض، والعروض المقابلة، ولا رأي له فيها. وكلّ ما يُعلن يقتصر فقط على بعض العبارات التي تحتاج الى توضيح وشرح وتفسير مثل “قرب توقيع الاتفاق مع الاسرائيلي، وتحديداً في أيلول المقبل”، و”قرب استعادة لبنان الغِنى” جرّاء ثروته النفطية المدفونة في البحر منذ زمن بعيد، من دون إعطاء أي تفاصيل في هذا الإطار.
وتجد الاوساط بأنّه في المقابل، تأتي “مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان” برئاسة السفير إدوارد غبريال، وعضوية نائب الرئيس نجاد فارس وجاي غزال، التي زارت المسؤولين اللبنانيين وعقدت معهم المحادثات، لتُعلن فيما يتعلّق بمسألة ترسيم الحدود البحرية “أنّها فرصة للبنان، ونافذة الفرصة هذه ستُقفل، وعندئذ لن تكون هناك فرصة أخرى لتسوية المسائل بين البلدين لقرون”. وهذا يعني أنّها كرّرت موقف الوسيط الأميركي الذي سبق وأن طرح على المسؤولين اللبنانيين فكرة “ضرورة الإستفادة من “الفرصة” السانحة، ومن “الصفقة” المعروضة عليهم الآن، وإلّا فلن تأتي الشركات الدولية للتنقيب في منطقة متنازع عليها لا اتفاق فيها على تقسيم الحقوق، ولا أمن واستقرار فيها”.
وتساءلت الأوساط نفسها عمّن يُحدّد الفرص، ومن قال للأميركي و”الإسرائيلي” إنّ الفرصة اليوم هي الأخيرة أمام لبنان، وإن لم يستفد منها فثروته النفطية ستضيع منه؟! علماً بأنّ ممارسة الضغوطات على شركة “توتال” الفرنسية، تأتي من الجانب الأميركي، وتمتثل هذه الأخيرة لها، كون القارّة الأوروبية ككلّ، لا تريد إفساد علاقتها مع الولايات المتحدة، لا سيما في هذه المرحلة بالذات التي تفتش فيها عن الطاقة من أي بلد مُصَدِّر لها، لكي تضمن حاجات شعوبها واستمرارية أعمالها خلال العقود المقبلة.
وعن إمكانية وجود حقول نفطية أخرى الى جانب حقلي “قانا”، و”كاريش” اللذين تناولتهما المفاوضات في المرحلة الراهنة، أوضحت الاوساط أنّ الخط 1 (الذي يصل الى النقطة 1 إنطلاقاً من الشاطىء اللبناني أو من B1 بدلاً من BP1، أي من النقطة التي انطلق منها “الإسرائيليون” داخل الحدود البريّة بدلاً من رأس الناقورة، بموافقة من اللبنانيين الذين لم ينتبهوا الى هذا الخطأ)، هو الخط الذي يُطالب به “الإسرائيليون”، والذي كان يفاوض عليه السفير هوف ورسم خطه كحلّ وسط للخط 23 الذي يطالب به رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي.
وأضافت الأوساط عينها بأنّه عندما رأى “الإسرئيليون” أنّ لبنان وافق مع القبارصة على الخط 1 بداية، أضافوا مثلثات على بلوكاتهم القديمة المربعة، (وهذا ما بيّنته “الديار” في مقالات سابقة) ، وهو ما دعا البعض إلى تبنّي مقولة الخط 23 خط “إسرائيلي”.. ومن الجدير ذكره أنّ البلوكات والمثلثات البحرية رُسمت على الخرائط “الإسرائيلية” (واللبنانية والقبرصية….إلخ) قبل المسح والتنقيب. أمّا بعد المسح، فقد قام “الإسرائيليون” بإعادة رسم البلوكات حول حقول الغاز التي بيّنت لهم أنّ هنالك احتمال وجود حقول، وبشكل متعرّج من أجل فصل هذه الحقول عن البلوكات المربعة أو المثلثة. وهذا ما يجعل الخرائط دائماً في طور التعديل والتبديل.
وأكّدت الاوساط أنّ “الإسرائيليين” أصبحوا أكثر حذراً على صعيد نشر خرائطهم بعدما جرى فضحهم من قبل بعض الديبلوماسيين والخبراء اللبنانيين 3 مرّات في خريطة كيسنجر، والخط 23 اللتين كشفهما السفير بسّام النعماني لجريدة “الديار” وخريطة العميد جورج نادر في مؤتمر صحافي. ولهذا لم يعودوا ينشرون الخرائط التي بإمكان اللبنانيين الإستفادة منها. ولهذا أعادت الأوساط التأكيد على أنّ المفاوضات ستكون طويلة وشاقّة، ولن تنتهي في غضون شهرين، على ما يجري الترويج له، إلا في حال كانت نتائج التسوية الدولية- الإقليمية أقوى من أي شيء آخر، ولن يتمكّن المسؤولون اللبنانيون من رفضها بأي شكلٍ من الأشكال. أمّا إذا خسر لبنان جزءا من حقوقه السيادية في المنطقة الإقتصادية الخالصة، فإنّ المنظومة ككلّ، دون أي استثناء، تتحمّل المسؤولية، كما على صعيد قطاع الكهرباء والمياه، والنفايات، والمحروقات، والليرة والدواء والإستشفاء والتعليم، وسواها أمام التاريخ والأجيال المقبلة.