لم ينزل خبر إعادة تسليم روسيا الدبابة التي كان غنمها الجيش السوري من اسرائيل في معركة السلطان يعقوب في سهل البقاع أثناء الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، برداً وسلاماً على عائلات قيادات وعناصر «حزب الله» الذين يتوالى سقوطهم في سوريا منذ العام 2011 تحت عنوان إستهداف خط «المقاومة» و»الممانعة». فها هي روسيا التي يعتبرها كثيرون أم الصبي ورأس حربة في الدفاع عن خطي «المقاومة» و»الممانعة»، ترد التحية للجيش الإسرائيلي بإعادة الدبابة المذكورة له التي كانت سلّمتها إياها سوريا في تلك الأثناء.
عندما أعلنت روسيا في أيلول الماضي، عن نيتها التدخل العسكري في الحرب السورية، إنفرجت حينها اسارير «حزب الله» الذي رأى في هذا التدخل دعماً مباشراً له وللإيرانيين وللنظام السوري خصوصاً في ظل إنهيار جبهاتهم القتالية. اليوم وبعد تسعة أشهر تقريباً، يبدو ان هذا التدخل تحوّل إلى نقمة بل تهمة لن يستطيع ان يرفعها الحزب عن نفسه أمام جمهوره خصوصاً وأن تسليم الدبابة من حليفه الروسي إلى إسرائيل، تُعتبر الفضيحة الثانية بعدما سبقها تعاون وتنسيق إستخباراتي روسي أميركي – إسرائيلي- إيراني يتعلق بتحليق الطائرات في الأجواء السورية ووضع خارطة طريق لسير الآليات العسكرية التابعة لحلف «الممانعة».
في بيان صادر عن مكتبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء تواجده في المتحف الروسي الذي تتواجد فيه الدبابة الإسرائيلية « طوال 34 عاما ونحن نبحث عن مقاتلينا الذين كانوا يتواجدون داخل الدبابة حينها، ولن نتوقف الا حين العثور عليهم ومواراتهم الثرى في مقبرة يهودية في اسرائيل. وخلال هذه السنوات الـ34 لم يكن لدى عائلات المقاتلين كاتز وفلدمان وبومل قبر يزورونه، ولكن الآن سيصبح بامكانهم زيارة هذه الدبابة ويستطيعون لمسها لتذكر أبنائهم«.
هذا الحدث الذي يرمز إلى الرابطة العاطفية بين روسيا وإسرائيل بحسب نتنياهو، يدعو إلى الكثير من التساؤل أيضاً حول العلاقة أو الرابطة التي تجمع الحليف الروسي ليس بـ«حزب الله» فقط، بل بكل الحلف «الممانع» وفي طليعته إيران التي قامت على مبدأ العداء لإسرائيل والتي من رحمها خرج الحزب للهدف نفسه، هذا مع العلم أن إيران كانت دخلت شريكاً أسياسيّاً في حلف مكافحة الإرهاب الذي تقوده أميركا مباشرة بعد التوصل للإتفاق النووي والذي تُعد إسرائيل جزءاً منه، ولتتنازل بعدها عن مجموعة شعارات من بينها «الشيطان الاكبر« و«الزحف نحو القدس« وأيضا الدعوات إلى تدمير إسرائيل ومحوها من الوجود.
لا قضيّة إذاً في سوريا يخوض «حزب الله» ومن خلفه إيران الحرب بسببها، فكل الشعارات التي رُفعت بهدف التجييش المذهبي والعقائدي، تسقط تباعاً، فما الفرق مثلاً بين أن تُداوي إسرائيل عناصر إرهابية داخل أراضيها، وبين أن تستعيد من رمز «الممانعة» دبّابة كانت غنمتها المقاومة في زمن صراعها الشديد والمرير مع هذا العدو؟ ومن المواقف التي تدعو إلى الإستهجان، أن الحزب في الأولى أقام الدنيا ولم يُقعدها وحوّل بسببها كل الفصائل السورية المقاتلة في سوريا إلى عملاء لإسرائيل، لكن في الثانية لم يخرج عنه أي بيان إستنكار أو كلام ضُمني يستنكر هذا التصرف. من هنا يبدو أن «الممانعة»، إمّا تتبع سياسة الشتاء والصيف تحت سقف واحد، وإمّا أنها تتوافق مع المثل الإيراني القائل «في النهار حرام وفي الليل حلال».
من بين المواقف المتقلبة والشعارات الطنانة التي لم تؤتِ أُكلها، تكثر فضائح الفريق «الممانع« وتزداد يوماً بعد يوم، واليوم تلتقي الخيارات الإيرانية- الاسرائيلية عند نقطة التواصل الروسية وذلك ضمن أسس تقوم على مصالح دولة كل منهما، وبهذا أيضاً يكون قد انضم «حزب الله« الى هذه الجوقة وتحوّل الى شريك ولو بشكل غير مباشر، ما يعني أن «المقاومة« تحوّلت إلى لزوم ما لا يلزم وأن حجّة البقاء عليها تتنافى مع الحقائق والوقائع التي تُدينها في اكثر من مكان وموقع لا سيما في الشق المتعلق بترابط المصالح في سوريا. إلّا ان السؤال الأبرز والأهم يُنتظر أن توجهه عائلات عناصر «حزب الله» إلى القيادة المركزية لتسألها عن القضية التي من أجلها سقط ابناؤها.
غداً قد تخرج والدة عنصر في «حزب الله» لتسأل عن جثة إبنها التي لم تُستعد منذ أربعة أعوام، ولا حتّى تمكنت من احتضان بزته المغمسة بدمائه، لكن في المقابل هناك أمهات لجنود إسرائيليين سيكون بإستطاعتهن إلقاء نظراتهن على الدبابة التي قضى ابناؤهن في داخلها منذ 34 عاما.