كنا في “النهار” أول من اطلق صرخة الرفض في وجه زميلتنا “الشرق الاوسط” لأننا رأينا في الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته الجمعة الماضي، إهانة لعلمنا وبلدنا وتالياً لنا جميعاً، نحن اللبنانيين الأقحاح الذين ما زلنا نتمسك بهويتنا، بلبناننا، بعلمنا، بأصالتنا، وبعروبتنا، وبعلاقاتنا الاخوية مع دول عربية شقيقة، كما تمسكنا بالانفتاح على العالم الغربي، رفضاً لمحاولات التضييق والضم واختصار السياسة الخارجية بما سمي في زمن الوصاية “شعباً واحداً في بلدين”، ورفضاً لاقحامنا في الحرب السورية وكل حروب الاخرين، ورفضاً لتغيير هوية لبنان وخطفه من محيطه العربي. نحن الذين ندافع عن حرية التعبير وقد دفعنا ثمنها غالياً باغتيال قلمين من الابرز، ليس في “النهار” فحسب وانما في الصحافة اللبنانية والعربية كلاً، نحن الذين نكابد لنستمر صوتاً حراً مستقلاً لبنانياً صافياً. اعترضنا انطلاقاً من الحق في حرية التعبير، وفي مقارعة الكلمة بالكلمة، وإن تكن الردود بين المؤسسات الاعلامية ليست من تقاليدنا، عكس ما يجري حالياً من تقاذف اعلامي مسيء.
لكننا، انطلاقاً من ايماننا بأن حرية التعبير مقدسة، نرى ان ما حصل من اعتداء على مكتب “الشرق الاوسط” في بيروت، وما رفع من لافتة مسيئة الى المملكة العربية السعودية في جل الديب، انما هما من اعمال الغوغاء ولا ينسجمان مع تاريخ لبنان المقترن بالحرية، حرية التعبير تحديداً، والتي جعلت بلد الارز يوماً، صحافة العرب وملجأ المعارضين منهم، وجامعتهم عندما كانت الجامعات مختبر الافكار والمعتقدات والعقائد.
ان لبنان في حاجة ماسة الى ترميم علاقته بالدول العربية الشقيقة التي لم تقصر يوماً في حقه، وتحديداً السعودية، وكذلك قطر التي رفعت لها الشعارات “شكراً قطر” في المناطق وتحديداً في الضاحية الجنوبية لبيروت، فضلاً عن الكويت والامارات وغيرهما من الدول الداعمة لنهضة لبنان. وان شابت تلك العلاقات شائبة، فان العمل الرصين لتسويتها، لا يخدم تلك الدول، بقدر ما يخدمنا كدولة وشعب، وخصوصاً المنتشرين منا في كل بقاع الارض، ولا تفيد مزايدات يطلقها البعض، اذ ان هؤلاء يكتفون بإطلاق المواقف من دون سد جوع أو حاجة، وما يتهمون به بعض الدول العربية يمارسون أبشع منه وأسوأ في الداخل اذ يربطون الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية للبنانيين بزعاماتهم واحزابهم ليضمنوا ولاءهم واستعبادهم.
ان الغوغائية في المواقف والتصرفات لا تفيد في قضية، أي قضية، واذا كنا نملك حق الاعتراض وحق التعبير بالرفض، فان أعمالاً وتصرفات غوغائية، ولو كانت من افراد محدودين، تنزع منا هذا الحق، وتجعلنا في موضع المتهم أو المرتكب.