لم تحمل زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمّد جواد ظريف أي جديد على الساحة اللبنانية، في وقت راهن أصحاب الفكر المعتدل والمنفتح على رسالة ما إيجابية تحمل بعض الحلحلة في الموضوع الرئاسي، والذي بات وبشكل واضح، رهن الصفقات الخارجية ومرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بالحل الشامل في المنطقة، وبالتالي، لم ولن يكون على لائحة الأولويات الإيرانية في الوقت الراهن، بل شكّلت هذه الزيارة، والتي اندرجت ضمن جولة في الجوار حاول وزير خارجيتها تسويق ديبلوماسيته واستثمارها دون أن تتخلى إيران عن حلفائها أو طموحاتها في المنطقة، فكان التأكيد في لبنان على استمرار دعمها لحزب الله بل ومحاولة تشريع انخراطه في الحرب السورية وإدراجها ضمن محاربة الإرهاب، حيث لا خلاف على هذا العنوان العريض. وقد تلقى التيار الوطني الحر رسالة الدعم هذه لحليفه وجيّرها لنفسه وانطلق في خطته ليوسّع المواجهة في الشارع، فلم يكتفِ بتعطيل مصالح المواطنين وقطع الطرقات بل وتخريبها، بل أطلق العنان لمحازبيه لرفع الشعارات الاستفزازية والمنافية لمبدأ الشراكة واحترام الآخر الذي يتلطون به في تحركاتهم، بل استرسلوا في التخوين وإطلاق النعوت التي تكشف تدنّي مستوى الخطاب، كما كان دائماً، وتعميق الشرخ مع تيّار المستقبل تحديداً، والتهديد بالثبور وعظائم الأمور في المراحل المقبلة، وكأن الوضع الداخلي قادر على تحمّل مغامرات جديدة، في توقيت مستهجن لأنه يضرب موسم الإصطياف ويستهدف وسط بيروت، ليس لأن موقع رئاسة الحكومة هناك فحسب، بل لسوء استخدام رمزيتها وكأنها ملك لفئة دون غيرها في حين هي البقعة اللبنانية الحاضنة لكل الأطياف والجامعة لكل الإنتماءات، تستقبلهم يومياً في استثماراتهم ووظائفهم وأفكارهم، مهما بلغت غرابتها، ونفاياتهم مهما كانت ألوانها، وتبقى هي الهدف الذي توجّه السهام ضده عند كل استحقاق.
لا تيّار المستقبل هو ممثّل داعش في لبنان، ولا التيار العوني يملك حصرية تمثيل المسيحيين، ولا تكمن قضية التعيينات الأمنية أو جدول أعمال مجلس الوزراء على رأس أولويات المواطن الغارق في الظلام والنفايات العضوية والسياسية على حدٍّ سواء، وباتت الغالبية الشعبية تلامس خط الفقر عند كل خطة أمنية، ولا شراكة بالقوّة وبفرض الإرادة على الآخر.. وبالتالي ماذا يحاول الجنرال عون تحصيله بهذا التحرّك على الأرض، غير إيصال صهره إلى قيادة الجيش وتأمين استمرار التعطيل الرئاسي حتى تستوي طبخته؟ «لا» جديدة تُضاف على مجموعة اللاءات السالفة وهي لا شيء، بما أن التيار لم يستخلص العِبَر من الماضي وبقي على تعنته مع الشريك في سياسة أنا أو لا أحد، حيث لم يترجم النضج السياسي إلا بطي صفحة عدائه مع سوريا، إلا أنه لم يستطع التغلّب على الخلافات الداخلية وفتح صفحات حوار جدّي ومُثمر لتحييد الساحة الداخلية عن العواصف المحيطة بها.
لقد أجمعت القراءات لزيارة ظريف على أنه لا عجلة عند الإيراني في المساعدة على إيجاد المخرج لمأزق الشغور الرئاسي قبل أن تتبلور حدود النزاع على النفوذ الإقليمي، كما أن لا مانع عند الجنرال عون أن يبقى جمهوره رهن الإشارات الخارجية لإبقاء الساحة الداخلية مفتوحة على كل الإحتمالات، جاهزاً للوصول إلى أبعد الحدود في حال كان التصعيد سيّد الموقف في دول الجوار.
حبّذا لو رفعت تلك المجموعات راية إنعاش الإقتصاد الوطني وكفّ اليد عن وسط بيروت الذي أعاد لبنان على الخارطة الإقتصادية الدولية في عهد الرئيس رفيق الحريري، والذي سيبقى شاهداً على الغوغائية والإرهاب الإجتماعي الذي يمارسه البعض بحق الوطن والمواطن!