IMLebanon

ترسيم لا “ستريبتيز”

 

ربما علينا تقليص التوقّعات أو وقف الأوهام بشأن ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل رهاناً على ذهب أسود ينبع من الأرض أو غاز يتفشى دولارات طازجة تحيي عظام الاقتصاد وهو رميم.

 

لا ثقة بالمنظومة الحاكمة ولو أضاءت أصابعها العشر امام الأجانب واللبنانيين أو صدقت في نيتها ردم الحفرة العميقة التي حفرتها للبلاد. منظومةُ الفساد، سلطةً وميليشيات ومصرفيين و”حاكماً” متواطئاً، لا تؤتمن على علبة حليب لرضيع، ولا على غالون زيت لعائلة فقيرة، ولا على بقرة مدعومة ولا على وديعة في مصرف، ولا على حدود، أو قضاء، أو بحيرة نظيفة لجمع الماء، فكيف سنأتمنها على التفاوض مع عدو لئيم ونطمئن الى ادارتها ثروة يفترض انها صارت “الحيلة والفتيلة”؟

 

نقف خلف الجيش وخرائطه، ليس لأننا مغرمون بالعسكر أو نتعاطف مع الدعوات المشبوهة له لتسلّم السلطة، بل لأنه أثبت الى حد كبير حكمة ومسؤولية وطنية وحرصاً على وحدته ووحدة لبنان، ولقناعتنا بأنه تلقَّف الملف من السياسيين نافضاً يديه من لعبة السياسة، بدءاً من “اتفاق الاطار” الأقرب الى المنطق العملي، ووصولاً الى المتاجرة الباسيلية التي تبيع من كيس اللبنانيين كلّهم خدمة لشخص فقَد القدرة على تعويض خسائره بالوسائل العادية.

 

نعلم ان ملف الترسيم صار عزيزاً على الجميع، وأن أكثر المزايدين بـ”الوطنية” باتوا أقرب الى عارضي “ستريبتيز” منهم الى مفاوضين باسم شعب ودولة. وليس نبش مفهوم “السيادة الاقتصادية” البحرية سوى جزء من محاولات دؤوبة لربط الملفات الوطنية الكبرى بأطماع فئوية، تارة ترتبط بمصالح المحور الايراني، وطوراً بعقوبات باسيل وطموحاته، حتى وإن كان الثمن عرضاً مبكراً للشراكة النفطية مع الاسرائيلي ووقاحة استثنائية في مطلب تحويل الفريق التقني الى وفد سياسي.

 

واجب كل لبناني المطالبة بترسيم الحدود من الجنوب حتى الشرق وآخر نقطة في لبنان الشمالي. فالدولة السيدة تظهر حدودها لفرض احترامها إزاء العدو والشقيق. والمصلحة الوطنية العليا تبقى فوق المزايدات والايديولوجيات وإطالة النزاعات خدمة لخارجِِ جاهز لـ”بيعنا” عند أول مفترق تفاهم اقليمي أو دولي. لكن مشكلة الوفد اللبناني أنه مهما تميز بالمهنية والإخلاص فإنه يمثل دولة آخذة في الانحلال، لا تعهّدها يُحترم، ولا تعهّد العدو معها جدّي.

 

لن تصل مسألة ترسيم الحدود مع اسرائيل ومع سوريا الى خط ثابت وسويّ اذا استمرت المنظومة في امساكها بمصير البلاد، في وقت يعلم القاصي والداني انها تعمل بوحي ولائها الخارجي وفسادها المحلي ورغبتها في إعادة ترسيم تسلّطها على الشعب اللبناني. لذلك يمكن للبنان الدخول في التفاوض – وكان الله في عون الوفد اللبناني – لكنه سيكون أعجز من تحقيق المصلحة الوطنية ما دامت المنظومة مستعجلة لـ”بيع جلد الدب” الغازي قبل التنقيب، انقاذاً لها من جريمة هدر ودائع اللبنانيين ومستقبلهم، أو متباطئة على وقع تطورات رسم مستقبل المنطقة بما يتجاوز “الملف النووي”، ليصل الى مصير بشار الأسد وشكل الحكم في “القُطر الشقيق”، على أمل ألّا يتشظى أقطاراً تدور في أكثر من فَلَك أجنبي.