IMLebanon

لهذا نتنياهو «ملزم» بتنفيذ اتفاق الترسيم!

 

لم يكن مستغرباً ان يعود بنيامين نتنياهو الى السلطة فهو كان متقدماً في كل الاستطلاعات التي سبقت انتخابات الكنيست، ولم يكن خصومه من تحالف سلفه يائير لابيد ووزير دفاعه بيني غانتس غافلين. وهو أمر لم يُثر اي قلق على مصير اتفاق الترسيم البحري الذي تم تحصينه من كل الجهات. لا بل هناك من يعتقد ان نتنياهو كان مرحّباً بنتائجه وأن معارضته هي من باب المناكفات الانتخابية ولو سجل خصومه انتصارات وهمية في الداخل والخارج. وعليه، ما الذي يثبت هذه المعادلة؟.

لم يكن الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل يومين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مُهنئاً إيّاه بفوزه في انتخابات الكنيست بعد اسبوع على اجرائها في 1 تشرين الثاني الجاري أمراً غير مألوف. فهو وعلى رغم من التقارير التي تحدثت عن علاقات شخصية سيئة بين الرجلين، ثمّة نظرية تُنهي مفاعيلها بمجرد التعاطي بينهما من مواقع المسؤولية القيادية في الدولتين والتزاماً منهما بالمصالح المشتركة القائمة بين المؤسسات، وليس على مستوى الأشخاص.

 

على هذه القاعدة تحدثت تقارير ديبلوماسية وصلت الى بيروت قبل ايام عن انّ واشنطن لم تفاجأ بالنتائج التي أفضت اليها الانتخابات التشريعية لا بل هي كانت على ثقة بأنها آخر الانتخابات المبكرة التي لجأت إسرائيل الى 5 تجارب متتالية منها، وانتهت الى «معادلة سلبية» كان الاسرائيليون ينقسمون بين طرفيها بـ «ميزان الجوهرجي»، الى ان حسم نتنياهو المواجهة الاخيرة بانتصار كبير أبعَدَ كأس التفاهمات مع مجموعة كبيرة من الأحزاب لتشكيل حكومته. فمعادلة الـ 49 % مع فاصلة صغيرة انتهت، وجاء فوز نتنياهو بنسبة اكبر ليعطيه هامشا واسعا من الحركة الحكومية لا تقبل أي جدل.

 

وهو أمر حسمته لجنة الانتخابات الإسرائيلية مساء الخميس الماضي فور الانتهاء من فرز الأصوات، وهي التي أظهرت حصول معسكر أقصى اليمين بزعامة نتنياهو على غالبية واضحة، مما يُتيح له تشكيل الحكومة. فقد تفوق على منافسيه بنَيله 64 مقعدا من مجموع مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، مقابل 51 مقعدا لمعسكر التغيير بزعامة رئيس الوزراء الحالي يائير لبيد الذي أقرّ بهزيمته، واتصل هاتفياً بنتنياهو وهنّأه بفوزه. وسيكون سهلا على نتنياهو تشكيل الحكومة الجديدة، قبل نهاية الشهر الجاري، وقد بوشِرت التحضيرات لعملية التسليم والتسلم بينهما.

 

وبالعودة الى ما يعني اللبنانيين فإنّ التقارير الديبلوماسية تحدثت عن اجماع اسرائيلي على ما قال به اتفاق الترسيم بين لبنان واسرائيل ومضمون مجموعة الوثائق المتبادلة بين بيروت وتل أبيب، كلّ من جهته مع الامم المتحدة والإدارة الاميركية بأدقّ تفاصيلها. فنتنياهو لم يكن غائبا عن المفاوضات الجارية لطروحات الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين وقد ترجم ذلك في الكنيست الذي بارك الإتفاق وفي المحكمة العليا التي اتخذت قرارا غير مسبوق يضمن بالاضافة الى الموافقة على نتائج المفاوضات التزام اي حكومة اسرائيلية مقبلة بمضمون التفاهم، وأن لا حق لها بإجراء اي تعديل محتمل من دون تفاهم الجانبين وبرعاية اميركية.

 

واعترف تقرير تَسلّمه الجانب اللبناني قبل التوقيع النهائي للاتفاق في بيروت في 11 تشرين الاول الماضي – قبل ان يأتي تقرير آخر ليؤكد مضمونه – بأنّ نتنياهو أبلغ الى الادارة الاميركية بشكل من الأشكال انه لن يتلاعب بالاتفاق أيّاً كانت الظروف التي ستحكم ولايته الجديدة المقبلة. فما تحقق مع لبنان غير مسبوق خصوصا على المستوى الامني، فلبنان وان لم يعترف بـ»خط الطفافات البحرية» لمجرد تجاهله وعدم الإعتراف الرسمي به فهو خط قائم منذ 22 عاما، ويمكن ان يبقى 100 عام في المستقبل بصفته «امرا واقعا» أقرّ بوجوده لبنان من دون الاعتراف رسمياً به وهو أمر شكلي قائم منذ إقامته. وان الرهان كان وسيبقى على الضمان الاميركي فهو يشكل بالنسبة إليهم اهمية اكبر بكثير من اي ضمان دولي او أممي، فإسرائيل لم تعترف يوما بالمحاكم الدولية ولا بالاتفاقيات والمعاهدات البحرية الأخرى.

 

توازياً، فقد قدمت تقارير ديبلوماسية من اكثر من عاصمة معنية بملف الترسيم، والتي تناولت الموضوع عينه، تفسيراً «منطقياً» لمواقف نتنياهو وحديثه قبل الانتخابات عن «تنازلات كارثية» قدمتها حكومة لابيد للجانب اللبناني وما اعتبره «هدايا مجانية» لخصومه وتحديداً «حزب الله»، معتبرة انها كانت من باب الإستراتيجية الانتخابية التي اعتمدها لكسب الشارع الاسرائيلي خصوصاً المتشددين من المنظمات اليهودية التي استمالها لابيد وغانتس في الانتخابات السابقة. وبهدف إعادة لَملمة صفوف الليكود الذين تأثروا بحجم الاتهامات التي طاوَلته بالفساد العائلي والشخصي ولتجاوز الأحكام القضائية التي بقيت من دون حرمانه التعاطي في الشأن السياسي.

 

وقال التقرير بما معناه انّ نتنياهو كان يُدرك تماماً ان إعطاء «حزب الله» ما يسمّيه «انتصارا وهميا» قد يُبعد السيناريوهات العسكرية ويعزّز موقف الوسيط الاميركي من اجل دفع الجانب اللبناني الى الموافقة على الإتفاق في ظل الانقسامات اللبنانية، وتسهيل مهمتها في تبرير أي تنازل امام الحكومة ومجلس النواب والمعترضين اللبنانيين على شكل الاتفاق ومضمونه، خصوصاً عند تجاهل الخط 29، وتقديم الهم الاقتصادي والمالي نتيجة الوضع المالي والنقدي الصعب في لبنان، وما يهدد الدولة ومؤسساتها من انهيار شامل بعدما عجزت عن تأمين أبسط الحقوق اليومية لمواطنيه، مقابل الوعد بالتحسّن الاقتصادي في السنوات المقبلة، في ظل ما هو متوقّع من مردود لهذا القطاع على لبنان فور التَثبّت من الحجم التجاري للثروة البحرية وضمان فوز الوسيط الأميركي بمعادلته البسيطة التي قالت بضمان الأمن لإسرائيل مقابل الاستكشاف عن الثروة للبنان.

 

والى هذه الملاحظات فقد تحدث التقرير عن ضرورة التمعّن في مضمون مجموعة الدراسات التي قدمتها قيادة الجيش الاسرائيلي الى الحكومة الإسرائيلية المصغرة عن عدم جهوزية الجيش لأيّ حرب محتملة مع لبنان، ليس خوفاً من قوة ما تُرهبه من الجانب اللبناني إنما تحاشياً لمخطط تتوقّعه بأن تكون أية مناوشات او عمليات قصف تستهدف منصة كاريش او الجليل الاعلى مُتزامنة مع حروب صغيرة أخرى قد تضطر الى خوضها في الداخل الاسرائيلي، خصوصاً حيث المواجهات اليومية في محيط مستوطنات الضفة الغربية. فكيف اذا أضيف اليها ما يمكن ان يجري في ما تسمّيه «غلاف غزة»، وما يمكن ان تحتاجه من جهد وعتاد حربي في ظل الخلافات السائدة بين الحكومة الاسرائيلية والمصانع والشركات المدنية المنتجة للسلاح في اسرائيل، وحال الاحتياط المتردّد في المشاركة في اي حرب؟ وهو أمر لفتت الى مخاطره تقارير اعلامية تَزامَن نشرها مع الحملة على حكومة لابيد.