في التقديرات اللبنانية المتفائلة أنه إذا سارت كل الأمور على ما يرام فإن توقيع اتفاق مع إسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية وتقاسم الثروات النفطية والغازية محتمل نهاية أيلول الجاري أو مع مطلع تشرين الأول المقبل أي قبل نهاية عهد العماد ميشال عون.
في السياسة ورغم ما نراه إعلامياً من اهتمام بهذا الملف وكلام محلي عن ضرورة إنهائه بسرعة، ليس وارداً لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري ولدى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي منح العماد عون هذا الانتصار في الأيام الأخيرة من عهده رغم أن معلومات توفرت قالت إن «حزب الله» يرغب في أن يخرج عون من بعبدا بانتصار الترسيم كما يصفونه كي لا يذهب خالي الوفاض.
في مسار المفاوضات وتقنية معالجة مسألة التنقيب والاستخراج لا تبدو الأمور بهذه السهولة، فالكلام عن أن إسرائيل قبلت بمنح لبنان الخط 23 واستثمار حقل قانا كاملاً لم يصدر سوى عن جهات لبنانية، ولم يدلِ الأميركيون والإسرائيليون في هذا الإطار بأي تصريح وكان لافتاً ما تم تسريبه في لبنان لجهة أن الإسرائيلي وكثمن للتنازل عن الخط 23 وعدم المس بالبلوكات اللبنانية يريد الاحتفاظ بـ 5 كلم من الخط واحد وهو المعروف بالخط الأزرق البحري أو خط الطفافات باعتبار أن هذا الخط يشكل حماية لمنتجع سياحي يقع على الطرف الجنوبي لرأس الناقورة وبالتالي فإن التخلي عنه سيجعل من هذا المنتجع مواجهاً للمياه التي ستكون تحت السيادة اللبنانية وسيعرضه لهجمات محتملة، فهل سيوافق لبنان على بقاء هذه الكيلومترات الخمسة من الخط واحد كحدود بحرية لإسرائيل؟
آموس هوكشتاين تحرك سريعاً وأرسل بعد أقل من 48 ساعة على زيارته بيروت إحداثيات الخط الأزرق البحري وتسلمها الجانب اللبناني واودعها لدى الفريق التقني اللبناني من أجل تجسيدها على الخريطة لمعرفة واقعها وما إذا كانت تتناسب مع المطالب والحقوق اللبنانية وينتظر الجانب اللبناني الآن اقتراح هوكشتاين المكتوب في شأن الترسيم.
المشكلة الثانية التي يتحدث البعض عنها عن عدم معرفة كما يبدو هي مسألة الحقول المشتركة، هذه الحقول إن وجدت بين لبنان وإسرائيل بعد الترسيم البحري هي ليست من صنع البشر فالطبيعة والجيولوجيا هي التي كونتها وبالتالي لا مجال لبناء سد تحت سطح الماء وتحت سطح الأرض للفصل بين الجانبين ولتقاسم محتوى الحقل، بل إن المطلوب بموجب العقل والمنطق والعلم والسياسة والاقتصاد هو الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على كيفية تقاسم أي حقل مشترك وقد نص القانون الدولي وأنظمة الأمم المتحدة على معالجة هكذا قضايا بعيدا عن المزايدات والغوغائيات اللبنانية.
وفي هذا المجال لا بد وأن يفهم اللبنانيون أن شركة توتال المخولة الحفر في البلوك رقم 9 لن تحرك ساكناً قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي غير قابل للنقض او العرقلة لا سيما أنها وشركة أيني الإيطالية ما زالتا تبحثان عن شريك ثالث في الكونسورتيوم يحل مكان شركة نوفاتك الروسية التي حزمت حقائبها ورحلت.
توقيت أي اتفاق على مسألة الترسيم رهن بالعديد من العوامل غير المحسومة والواضحة بعد، وأثبتت التجربة أن هذا الملف يسير وفق التوقيت والرغبة الأميركية فقط لا غير وأن كل حديث آخر هو من باب انتصارات إثارة الغبار لحرف أنظار اللبنانيين عن واقع تعيس يعيشونه ولن يتحسن أبدا إن بقي في السلطة كل من أوصل البلاد إلى ما هي عليه اليوم.