طغى تعميم الاجواء الايجابية من قبل المسؤولين اللبنانيين على مسودة الاتفاق التي تسلمها لبنان السبت الماضي من الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين، بخصوص ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حتى قبل دراستها بتمعن من قبل الاختصاصيين، في حين ذهب البعض إلى الكشف عن هذه الاجواء قبل تسلمها رسميا، وهو ما يؤشر إلى تلقف هذه المسودة بقبول ورضى ورغبة بصياغة رد لبناني جامع وايجابي في النهاية كما اوحت مواقف وتصرفات هؤلاء المسؤولين.
لكن، وبالرغم من هذه المواقف الايجابية، ووصف المسودة بانها تلبي شروط لبنان وتحفظ حقوقه كاملة في مياهه وثرواته من نفط وغاز، وبأن ما استحصل عليه، لا يمكن أن يتحقق لولا قوة المقاومة الممثلة بحزب الله، والتهديدات التي وجهها الامين العام لحزب الله حسن نصرالله ضد إسرائيل، لوحظ ان هناك تناقضا فاضحا في مواقف وتوضيحات نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، بشرح مضمون المسودة، باعتباره مكلفا من رئيس الجمهورية بمتابعة هذا الملف، عندما قال ان لبنان بموجب المسودة المذكورة، استحصل على كامل حقوقه، بينما هناك بعض المناطق المتنازع عليها بقيت معلقة.
ماذا يعني انها بقيت معلقة والى متى، ولبنان في صدد تقديم جوابه النهائي في غضون ايام على المسودة، انطلاقا من الايجابية المفرطة التي روَّج لها بو صعب وفريقه، حتى بقوله، أن كل الامور انتهت لصالح توقيع الاتفاق بين لبنان وإسرائيل على الترسيم قريبا جدا، برعاية الامم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، ويصف التوقيع المرتقب، بانه لا يعتبر تطبيعا أو أي نوع من معاهدات السلام مع إسرائيل وما شابه؟
لم يقتصر الالتباس والتناقض في ما قاله بوصعب بماخلصت اليه مسودة الاتفاق التي تسلمها لبنان فقط، بل زادت الامور سوءا، ما أعلنه رئيس الحكومة الإسرائيلية لابيد لاحقا، بأن إسرائيل حصلت على مطالبها ماية بالماية، من حقل كاريش، وبما يضمن امنها، وبالمقابل ستحصل على عائدات مالية من الشركات من المناطق الاخرى، ما يزيد من ضبابية الاتفاق ويطرح شكوكا وخشية كبيرة من ان يكون الاتفاق المرتقب قد تم على حساب لبنان، لاسيما وان احدا من المسؤولين اللبنانيين، لم يكلف نفسه عناء توضيح التناقض الفاضح الذي وقع فيه بوصعب من جهة، او لتكذيب ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية بهذا الخصوص من جهة ثانية.
الملاحظة المهمة على هامش فولوكلور، تسلم ودراسة مسودة الاتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، غياب كل مفردات التخوين والعمالة والتوطئة لاتفاقية سلام مع إسرائيل، عن خطابات ومواقف وتصريحات قادة ونواب حزب الله ضد اي مسؤول لبناني، واستبدالها بعبارات انصياع العدو الاسرائيلي، لتهديدات وعنتريات الحزب، التي خلصت الى هذه النتيجة، بينما تلاشت بالكامل كل اتهامات وتهجمات الحزب ضد الوسيط الاميركي وواشنطن، ما يطرح اكثر من تساؤل واستفسار، ربما يكون الجواب مختصرا، المصالح فوق كل الخلافات، بالرغم من كل الصراخ والعويل.
لو كان ملف الترسيم مع غير فريق الممانعة لانهالت الاتهامات ولما كان حزب الله بلع لسانه وأسكت أصواته
ويبقى السؤال، ماذا لو كان المسؤولون بالسلطة الذين يديرون ملف الترسيم مع إسرائيل من خصوم الحزب السياسيين، ومن غير حلف الممانعة، التي اوصلت لبنان إلى الخراب بشعاراتها المزيفة، وممارساتها الهدامة، هل كان الحزب بلع لسانه الى هذا الحد، وألزم بواقه بصمت القبور، ام كان سلاح التخوين والعمالة المزعومة هو البديل؟ ويبقى سلاح «حزب الله» موجها إلى الداخل والاطباق على مفاصل الدولة ومقدرات البلد، وتشكيل حكومة، أو اسقاطها، أو تعطيل الانتخابات الرئاسية، أو الاتيان برئيس مطواع لسلاح الحزب ومصالحه، كما حال رئيس الجمهورية الحالي.