Site icon IMLebanon

ثرثرة على «ضفاف» الترسيم: لا خيارات عسكرية

 

 

أغرقت التسريبات الاسرائيلية عطلة نهاية الأسبوع بعدد من السيناريوهات الخاصة بمهمة الوسيط الاميركي في ملف الترسيم عاموس هوكشتاين. وعلى عكس سابقاتها فقد عمّمت أجواء ايجابية، من خلال توقعاتها بالتوصل الى اتفاق قريب مع لبنان على رغم من أنها لم تحمل جديدا جذابا يوحي بالشكل النهائي للحل الذي بات مبنياً على الموقف الاسرائيلي من الطرح اللبناني. وعليه، ما الذي توحي به هذه المستجدات بين ما هو جدي أو مجرد رغبات؟

قد تكون المرة الاولى منذ ان استأنف هوكشتايتن مهمته نهاية حزيران الماضي التي يُمطر فيها المسؤولون الاسرائيليون ساحة المفاوضات غير المباشرة بهذا السيل من المواقف حول ما هو متوقع من ملف ترسيم الحدود، ما اعاد الى الاذهان المراحل السابقة التي كانت فيها الساحة اللبنانية مسرحا للمواقف والنظريات المختلفة قبل توحيد الموقف اللبناني مما هو مطروح في مطلع آب الجاري.

وباستثناء المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله واعضاء من قيادة الحزب تراجعت الشخصيات اللبنانية الاخرى عن اطلاق المواقف ما خلا تلك الداعية الى انتظار ما سيحمله هوكشتاين من إسرائيل في شأن موقفها من الطرح اللبناني، الذي عدّ نهائياً ولا يقبل اي تعديل بعدما تجاهل كثيراً من المعطيات التي يمكن ان يعود اليها في اي وقت ان توقفت المفاوضات للدفاع عن الخط الأخير المتعرج «حقل قانا» والخط المستقيم للبلوكين 8 و9 كما رسمهما لبنان بمعزل عن اي خريطة أخرى.

وفي مقابل حالة الانتظار اللبنانية كانت التسريبات والسيناريوهات التي انطلقت من اسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع غزيرة ولافتة في آن. وما زاد في غرابتها أنها جاءت بعد صمت طويل سبق أحداث غزة بأيامها الاربعة وتلاها، ونامت معها كل البورصات في شأن موقف تل أبيب من الصيغة اللبنانية الاخيرة. كما غابت معها الاخبار عن جهود الموفد الاميركي الى درجة اعتقد البعض انه بات مفقودا، ولم يتمكن احد من تقديم معلومة عن مكان وجوده. فهل هو في بلاده أو في اي عاصمة أخرى يلاحق ملف النفط والغاز البديل الذي يبحث عنه تعويضا عن المنتج الروسي المحاصر بالعقوبات الاوروبية والاميركية والمُقنّن روسيّاً، تارة من اجل معاقبة هذه الدولة الاوروبية او تلك واخرى للصيانة الضرورية التي لا مفر منها من وقت لآخر.

وتزامناً مع هذه المعطيات والمؤشرات الغامضة انطلقت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة ولم يبق أحد من دون ان يقدم رؤيته لمصير المفاوضات غير المباشرة التي شكلت جامعا مشتركا لمجرد التشديد على ان لا حل للأزمة خارج إطار المفاوضات غير المباشرة وما يقوم به الوسيط الاميركي للابتعاد عما يقود الى اي عمل عسكري على رغم من الاستعدادات في اسرائيل لكل اشكال الحروب المتوقعة عبر الحدود الجنوبية للبنان او عبر المياه المتنازَع عليها وتوقعاتها بما يمكن ان تنتهي اليه من نتائج، في ظل الازمة التي يعانيها لبنان بمختلف وجوهها.

وكان واضحا ان مختلف التصريحات الاسرائيلية بقيت في ما يمكن ان تنتهي اليه في اطار منظومة متناغمة شارك فيها العسكريون والسياسيون الى جانب رئيس الكنيست المنحلّ الذي أدلى بدلوه للمرة الاولى، في إشارة واضحة الى تجاوز ازمة غزة الاخيرة وتداعيات الانتخابات النيابية المقبلة في اسرائيل بعدما حاولت الحكومة استخدامها للبحث في تأجيل المواعيد التي رسمها هوكشتاين لإتمام المفاوضات في آب، وانجاز التفاهمات في أيلول ليستقر الوضع مطلع الخريف المقبل لضخ الغاز المصري والاسرائيلي الى دول أوروبا وغيرها من تلك التي تتوقع حاجات بالغة في الشتاء المقبل.

وفي قراءة هادئة للمواقف الاسرائيلية فقد عدّت على تنوّعها احياء لمنسوب التفاؤل بإمكان إنجاز التفاهم في وقت قريب مهما تغيرت اللغة واللهجة التي استخدمت بين تصريح لمسؤول وآخر قياساً على موقعه ودوره ومسؤولياته. فوزيرة الطاقة كارين الحرار أكدت أنه ليس هناك ما يحول دون استخراج الغاز من حقل كاريش – الذي يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة باعتراف جميع الأطراف بما فيها لبنان – في «أول فرصة تستطيع فيها شركة «إينيرجين باور» فِعل ذلك وليس لدينا أيّ مانع في هذا الأمر». وهو موقف لا يمكن قراءته بمعزل عن التأكيدات الأميركية بأنّ التزامن سيكون قائما بين الاستخراج من حقول إسرائيل والاستكشاف في الحقول اللبنانية، وهو ما يوحي بوجود معادلة واضحة لدى جميع الاطراف بعدما عكسها الموقف اللبناني الاخير ولم يشكّك بها الموفد الاميركي بمقدار ما عبّر عن الوعد بالسعي الى تكريسها بلا جدل.

ولا يتجاهل المراقبون ملاقاة المسؤولين الاسرائيليين لهذه المعادلة عندما تحدثوا عن التوقع بقيام أعمال متقابلة ستجري في الحقول اللبنانية والاسرائيلية في آن واحد، وهو ما يوحي بتجاوب اميركي واسرائيلي مع الضمانات التي طلبها لبنان مقابل «تضحياته الاخيرة» بالخط 29 والربط النهائي بين منطق الاستخراج والتنقيب والاستكشاف من دون اي عائق. ولعل كلام وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أمس يترجم هذه المعادلة بدقة عندما قال: «أعتقد أنه في المستقبل ستكون هناك منصة من طرفنا ومنصة في الطرف اللبناني». وهو موقف لا يمكن فهمه من خارج إطار الضمانات التي طالب بها لبنان من واشنطن قبل تل أبيب، وتقضي ببساطة بإعطاء الضوء الأخضر للشركات الدولية لتعود الى الحقول اللبنانية والا لن يكون هناك اي اتفاق نهائي يطمئن اسرائيل للمضي في خطط الاستخراج والتسويق. فلبنان يدرك انّ خلافاً قائماً بين قبرص واسرائيل حول منطقة مُتنازع عليها ما زالت تحول دون انطلاق العمل في حقل «أفروديت» الذي يقع الى الجنوب الغربي «حقل كاريش» في منطقة محاذية للمنطقة الإقتصادية القبرصية، وهو واقع يمكن ان يترجم بالنسبة الى اي موقع قريب من المنطقة الاقتصادية اللبنانية وهي حال «حقل كاريش» الذي لا يمكن الإقلاع بأيّ عمل فيه من دون التفاهم مع لبنان.

هذا على المستوى الإداري والتقني والسياسي، أما على المستوى العسكري فقد بات لافتاً انّ التهديدات بالحرب تراجعت الى الحدود الدنيا في الايام القليلة الماضية، وهو امر بادرَ اليه السيد حسن نصرالله قبل ايام عندما فصل بين الملف النووي الإيراني وايّ اتفاق في شأن عملية الترسيم، وربط اي عمل عسكري في المستقبل بما يمكن ان يعطيه المفاوض الاميركي والاسرائيلي للبنان تأسيساً على الموقف اللبناني النهائي. وقبل ان يقول السيد نصر الله اي كلام آخر اعتبر موقف وزير الدفاع الاسرائيلي جوابا عليه عندما قال امس: «آمل أن لا نضطر إلى الدخول في حرب مع لبنان لأنّ ذلك سيشكل مأساة للدولة اللبنانية ومواطنيها».

عند هذه المؤشرات يبقى أمام المراقبين العاجزين عن تقديم اي معلومة حول ما يمكن ان تقود اليه مساعي هوكشتاين ان ينتظروا عودته الى بيروت في وقت قريب من دون اي موعد محدد، على قاعدة أنه لا يمكن للبنان الركون الى أي من السيناريوهات المتداوَل بها في انتظار الموقف الاسرائيلي الجاري بناؤه بين تل أبيب وواشنطن في الأيام المقبلة واحترام الوسيط الاميركي للمهل – كما تعهّد سابقاً – ستأتي به الى بيروت قبل نهاية آب. والى تلك اللحظة يبقى الهدوء هو المطلوب وضبط الأعصاب من اهم عناصر القوة، وما على المراقبين سوى الاخذ بالمواقف المسؤولة ووضع بقية التهديدات حاجة لا بد منها لملء الفراغ الفاصل عن موعد عودة هوكشتاين.