في انتظار التقرير النهائي الذي سيرفعه الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين حول العرض الإسرائيلي الأخير الذي نقله الى بيروت في 8 ايلول الجاري، ستبقى الأنظار شاخصة على ما يمكن تسميته التحوّل الذي تسبب به هذا العرض وأسقط الخطوط المطروحة متعرّجة او مستقيمة وقدّم الهم الأمني من خلال إحياء البحث في خط الطفافات في مقايضة بين الأمن والثروة النفطية. وعليه، طرح السؤال عن مصير المفاوضات ومستقبلها؟
من المفترض ان يكون الجانب الاسرائيلي على إدراك كامل بأهمية وخطورة الطرح الجديد المتصل بخط الطفافات البحرية انطلاقاً من البر في اتجاه البحر، والذي حمله هوكشتاين في زيارته الاخيرة لبيروت، فهو يدرك ان استجابة لبنان لهذا المطلب لن تكون سهلة ان لم تكن مستحيلة، خصوصا ان كانت الاحداثيات الجديدة التي تسلّمها الجانب اللبناني هي نفسها التي سبق له ان طرحها على لبنان في أكثر من مناسبة منذ ان نشر الطفافات البحرية البرتقالية في أيار من العام 2000 حتى اليوم بمشاركة أممية وأميركية.
ومن المفترض ان يكون الموفد الاميركي على علم بهذه المسألة ودقتها في مسار المفاوضات الجارية مع العدو الاسرائيلي منذ عقدين ونيّف. فهو كان على تماس لصيق مع مسار المفاوضات التي تركزت حول الحدود البرية والبحرية في منتصف العقد الماضي. وهو يعرف ما لا نعرفه جميعاً عن الدوافع والخلفيات التي فرضت مواقف الطرفين في مسار المفاوضات المعقدة التي لم تؤد الى اي تفاهم، كذلك يدرك الأسباب التي دفعت لبنان الى رفض الربط الذي كان مطروحاً بين الخطوط البحرية والبرية. وكما كان مصرّاً على رفض خط فريدريك هوف ومنطقة الـ 860 كيلومتراً في المنطقة الاقتصادية الخالصة، فقد عبّر عن تمسّكه الدائم بخط الهدنة عند عملية ترسيم الخط الأزرق والمناطق المتنازع عليها كخط انسحاب إنفاذاً لما آلت اليه جهود الأمم المتحدة لتطبيق القرار 425 على رغم من المحاولات الاسرائيلية التي لم تتوقف يوماً للربط بينهما والسعي الدؤوب الى اعادة النظر ببعض النقاط التي يمكن ان تعدّل في كل الخطوط البرية كما البحرية، ولا سيما منها النقطة «B1» التي هي في أساس أعمال الترسيم في الجهتين.
ومن المفترض ان يكون الجانب اللبناني ما زال متمسّكاً بالثوابت التي تحكمت بموقف لبنان طوال المفاوضات المتعددة الوجوه أيّاً كان أعضاء الوفد المفاوض في مختلف المراحل التي عبرتها. وهو ما ثبت لدى الموفدين الأميركيين الذين تناوبوا على رعاية تلك المفاوضات الى درجة شهد فيها عدد منهم على صلابة الموقف اللبناني عندما يصل النقاش الى نقاط حدودية مُعتَلَمَة، ويمكن في حال اجراء اي تعديل يقود الى التلاعب بالحقوق اللبنانية في البر كما في البحر.
وانطلاقاً من هذه المعادلة التي لا يرقى اليها الشك سَعت مراجع عسكرية وتقنية الى تحديد الدوافع الاسرائيلية التي قادت الى طرح هذه الملف مجدداً لِفهم ما يمكن ان يكون لها من انعكاسات على سير المفاوضات في المرحلة المقبلة، بعدما كان هوكشتاين قد رسم خريطة طريق أوحت بالتفاؤل المفقود منذ سنوات عدة عند عودته الى المنطقة في الأسبوع الأخير من حزيران الماضي بعد أيام قليلة على دخول سفينة الإنتاج «اينيرجين باور» الى حقل كاريش. وهي خريطة اختصرها بسيناريو استباقي ومتفائل قال بإمكان التفاهم على الخطوط البحرية استناداً الى الخط المتعرج الذي اقترحه في مهلة أقصاها نهاية آب الماضي ليشهد أيلول الجاري على التفاهم النهائي بين الطرفين، وهو ما يسمح ببدء الإنتاج من حقل كاريش ويطلق مسار الاستكشاف في الأحواض اللبنانية ولا سيما منها البلوك الرقم 9 في خطوة تضمن مصالح الطرفين.
وعليه، يضيف الباحثون عن الدوافع الإسرائيلية المحيطة بالاقتراح الجديد الذي لامسَ نقطة برية بحجم الـ«B1» ليقول احدهم انّ ما اكتشفه يقود الى انّ مجرد قبول هوكشتاين بنقل الرسالة الاخيرة الى بيروت يعني انّ هناك تحورا محتملا في مسار المفاوضات، فخط الطفافات رفضه الجانب اللبناني في أكثر من مناسبة على مدى العقدين الماضيين وهو امر لا نقاش فيه لمجرد انه يطاول نقطة حدودية سيادية محددة في خط الحدود الدولية المعترف بها دولياً منذ العام 1923 وتم تكريسه في اتفاقية الهدنة مع العدو الاسرائيلي عام 1949، وإن أي مَس بأيّ من هذه النقاط يقتضي تعديلا دستوريا ما زال لبنان يتجنّب الوصول اليه.
وانطلاقاً من هذه المعادلة الثابتة فإنّ الحديث عن إحداثيات جديدة ليس ثابتا حتى اليوم، وان البحث الذي شهده القصر الجمهوري قبل ايام لم يرشح منه اي تطور جديد، فالحديث عن إسقاط الاقتراح الاسرائيلي الجديد على الخرائط التي أعدّتها مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش التي كانت متمثلة في الاجتماع برئيسها المقدّم عفيف غيث يعني ان هناك عملية مقارنة قد بدأت بين ما جاءت به الإحداثيات الجديدة وما هو متوافر من حصيلة الاقتراحات الاسرائيلية السابقة الموجودة لدى مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني منذ العام 2000، والتي جرى تيويمها منذ استحداث هذه المصلحة في السنوات العشر الاخيرة الماضية قياساً على ما جاءت به دراسات المراكز الدولية وتلك التي حددها قانون البحار عند تحديده لطريقة احتساب الخطوط البحرية بين الدول.
وإلى ان يثبت وجود اقتراح إسرائيلي جديد أو أي تعديل ـ على رغم من توقّع العكس ـ فإن المشكلة الحقيقية تبقى محصورة في استحالة ان يتجاوب لبنان مع اي طرح يؤدي الى تغيير في موقع النقطة «B1» وعدم القبول بإزاحتها كما رسمت في خرائط الحدود الدولية ولو لمتر واحد. فالمخاوف اللبنانية حاضرة من إمكان استخدام الموقع الجديد في اي مفاوضات مقبلة تُطاول البحر او البر او تم تكريسها لمصلحة الجانب الإسرائيلي وهي مخاوف مشروعة.
وامام هذه المعادلة الجديدة ان وصلت اليها المفاوضات، فإنه سيكون علينا انتظار ايام قليلة الى ان يعلن عن الموقف الرسمي اللبناني من الطرح الجديد للتثبّت من نيات اسرائيل، خصوصاً اذا تبين ان له علاقة بتعثّر المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي في شأن تسويق غازها بعدما تجاوزت أوروبا عقدة حاجتها الى غاز شرق المتوسط ونفطه نتيجة زيادة الإنتاج في الدول الاسكندينافية ورفع نسبة احتياطها من حاجات الشتاء المقبل الى درجات كافية تدفعها الى التمهّل في البحث عن مصادر بديلة من الغاز الروسي.