Site icon IMLebanon

الفرصة مُؤاتية لتوقيع اتفاقية الترسيم قريباً

… العوامل الداخليّة والإقليميّة والدوليّة قد لا تتكرّر “إنرجين” أجِّلت عملها في “كاريش” الى أواخر تشرين المقبل… ولبنان يطرح حصوله على حصّة “نوفاتيك” –

 

قبل التوصّل الى وضع نصّ إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي والموافقة على بنود الإتفاقية والتوقيع عليها، قام “الإسرائيلي” بإجراء محاولة ربط حقل “كاريش” بشبكة الغاز “الإسرائيلية”، رغم أنّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله كان قد حذّره من القيام بأي محاولة تجريبية قبل الإتفاق مع لبنان وحصوله على مطالبه المحقّة. غير أنّ العدو أكّد أنّ هذا لا يعني أي شيء إطلاقاً لناحية الإستخراج والتنقيب، ما جعل الأمر يمرّ، لا سيما مع تأكيد سفينة “إنرجين” أنّها لن تبدأ عملها في “كاريش” قبل بضعة أسابيع، وتحديداً ليس قبل أواخر تشرين الأول المقبل، أي ليس قبل توقيع الإتفاقية المتوقّع خلال هذه الفترة..

 

وفي ظلّ الأجواء التفاؤلية الآتية من نيويورك عن إحراز تقدّم كبير في ملف الترسيم البحري من دون أن تصل الأمور الى نهايتها بعد، مع التمسّك بحقوق لبنان كاملة في ثروته النفطية، لا تزال أوساط ديبلوماسية مواكبة لملف الترسيم تُبدي تشكيكاً وقلقاً من النوايا “الإسرائيلية” التي لم تكن يوماً صادقة وشفّافة. ولهذا لا تزال تخشى من أن يُخبّىء العدو الإسرائيلي للبنان فخّاً ما، أو يترك ثغرة ما في الإتفاقية ليستخدمها في المستقبل، رغم التوضيحات والردود على المواقف اللبنانية من المقترحات “الإسرائيلية” الأخيرة، والتي نقلها الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة للترسيم البحري آموس هوكشتاين للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم في نيويورك على هامش أعمال الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

كما لا يزال البحث جاريا عن الشريك الثالث في كونسورتيوم الشركات، على ما أشارت الاوساط، لا سيما وأن انسحاب شركة “نوفاتيك” منه سيُصبِح ساري المفعول في 22 تشرين الأول المقبل. وذكرت الاوساط بأنّ شركتي “توتال” الفرنسية المشغّلة، و”إيني” الإيطالية صاحبة الحقّ وغير المشغّلة واللتين تُساهمان في 40 % ، قد عرضتا على الحكومة اللبنانية تقاسم حصّة “نوفاتيك” الروسية غير المشغّلة، غير أنّ الدولة اللبنانية طرحت أن تأخذ هي حصّة الشركة المنسحبة والتي تُشكِّل 20 % من التحالف. وتجري بالتالي المفاوضات مع دولة قطر التي دخلت على خط النفط في منطقة الشرق الأوسط عن طريق شركة “شيفرون” الأميركية التي تستثمر فيها. ويُنتظر ما سيتقرّر بشكل نهائي في هذا الخصوص بالموازاة مع توقيع الإتفاقية. علماً بأنّ الحكومة اللبنانية هي التي ستكون معنية بتوقيع العقد الجديد مع الطرف الثالث في حال لم يستقرّ الأمر على اقتراح نيلها حصّة “نوفاتيك”، لتُصبح بذلك المساهمة الأكبر بنسبة 60 %.

 

أمّا شركة “إنرجين” المشغّلة لحقل “كاريش”، ومقرّها لندن، فأجّلت بدء عملها فيه الى تشرين الأول المقبل، في انتظار ما سيجري على صعيد اتفاقية الترسيم المرتقبة. وقد أبدت استعدادها لربط خزّان “كاريش” من منصة الحفر بالمنظومة “الإسرائيلية” في إطار المرحلة التالية للمشروع المخطط له في الفترة المقبلة، الأمر الذي يؤكّد على التزامها بنتائج المفاوضات غير المباشرة التي تحصل بين الجانبين بوساطة هوكشتاين.

 

وتقول الأوساط الديبلوماسية عينها، بأنّ بعض الخبراء والقانونيين والأكاديميين يجدون أنّ لبنان تنازل كثيراً من خلال تخلّيه دفعة واحدة عن الخط 29 واعتماده الخط 23، من خلال عدم اللجوء الى تعديل المرسوم 6433 المودع لدى الامم المتحدة والذي ينص على أنّ الخط 23 هو حدود لبنان البحرية وليس جنوب الخط 29، على ما تؤكّد دراسات وتقارير وخرائط عدّة. وهذا الأمر يجعل لبنان بالتالي يخسر نحو 1430 كلم2 في المنطقة البحرية الحدودية، فضلاً عن نصف حقل “كاريش” الذي تُقدَّر إحتياطات الغاز المؤكّدة فيه بنحو 1.3 تريليون قدم مكعّب. هذا الى جانب وجود حقول نفطية محتملة في المساحة التي جرى التخلّي عنها لصالح “الإسرائيلي”. غير أنّ الاوساط أوضحت بأنّ التفاوض يعني بحدّ ذاته تخلّي كلّ طرف أو تنازله عن شيء ما لقاء الحصول على مقابل له. فكما فعل لبنان، فعل “الإسرائيلي”، وإلّا لما جرى انتقاد رئيس الحكومة “الإسرائيلية” يائير لابيد بأنّه قدّم “تنازلات مؤلمة” للبنان في ملف الترسيم.

 

كذلك فإنّ احتفاظ لبنان بكامل المساحة البحرية أي الـ 2290 كلم2، من دون توقيع إتفاقية تحلّ النزاع بينه وبين “الإسرائيلي” يعني، وبحسب رأي الاوساط ، أحد أمرين: الأول، نشوب الحرب أو المواجهة العسكرية بين الجانبين، ما يؤدّي الى عدم استفادة أي منهما من الثروة النفطية. والثاني، بقاء الثروة النفطية اللبنانية في أعماق البحر ليس الى أجلٍ غير مسمّى لأنّ “الإسرائيلي” قد يتمكّن من الاستيلاء عليها واستخراجها بالطرق الملتوية وغير المشروعة، ما يفوّت على لبنان فرصة استغلاله لعائدات هذه الثروة في تحسين وضعه الاقتصادي المنهار.

 

ولهذا فإنّ أصوات المشكّكين والمدافعين عن الخط 29، على ما عقّبت الاوساط، قد خفتت بعض الشيء، في إشارة الى رضاها الى إمكانية توصّل لبنان الى توقيع إتفاقية ترسيم بحري مع العدو الاسرائيلي ودخوله عالم انتاج وتصدير الغاز والنفط، بعد أن كان هذا الملف موضوعاً أو منيّماْ في الأدراج طوال العقود الماضية.

 

أمّا لماذا الفرصة مؤاتية اليوم لتوقيع اتفاقية الترسيم، والتي قد لا تتكرّر في المستقبل القريب في حال تعثّر الاتفاقية قبل الوصول الى خواتيمها السعيدة قريباً، فتُجيب الأوساط نفسها أنّ ثمّة عوامل قد تصبّ في مصلحة لبنان:

 

– أولها: وجود حكومة “إسرائيلية” برئاسة لابيد الذي يريد توقيع الاتفاقية، في الوقت الذي أعلن فيه بنيامين نتنياهو أنّه سيطيح بها فور وصوله الى رئاسة الحكومة.

 

– ثانيها: وجود إدارة أميركية ديموقراطية برئاسة جو بايدن الذي يريد تحقيق أمر ما في المنطقة سينعكس إيجاباً على قطاع الغاز والنفط في أوروبا في السنوات المقبلة قبل الإنتخابات الرئاسية النصفية.

 

– ثالثها: وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يقود هذه المفاوضات بالتعاون والتوافق مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والمكلف نجيب ميقاتي، وإن كانت حالياً حكومة تصريف أعمال، على أمل أن تتشكّل حكومة جديدة قريباً وتعمل على التوقيع على اتفاقية الترسيم. في الوقت الذي سيُشكّل تبدّل هذه العوامل عوائق فعلية أمام الإتفاقية، لا سيما دخول لبنان في مرحلة الشغور الرئاسي في حال لم ينتخب الرئيس الجديد للجمهورية خلال المهلة الدستورية التي تنتهي في 31 تشرين الاول المقبل. يُضاف الى كلّ ذلك أزمة الطاقة الأوروبية بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، والازمة الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة التي يمرّ بها لبنان. وبناء على ما تقدّم تصرّ الأطراف المعنية على توقيع الاتفاقية خلال تشرين المقبل، في حال لم يحدث أي أمر مفاجىء يخلط الأوراق مجدّداً، ويعيد ملف الترسيم الى نقطة الصفر.