مضحك مبكٍ خبر توجه معملي الذوق والجية للتوقف عن العمل، ليس بسبب نفاد الفيول، إنما بسبب إضراب عمال الصيانة والاستثمار وتوقفهم عن العمل، بسبب حسم الشركة المشغلة نسبة مئوية من رواتبهم.
وكأن أحداً سيلاحظ أو سيتأثر. فالفضل سابق، والعمل متوقف، والمسؤولون من طرابين حبق المنظومة نوَّرونا وأغنونا عن نور الكهرباء.
وهؤلاء العمال لن ينجحوا في الضغط من خلال الإضراب لنيل المطالب، ذلك أن الكهرباء لا تؤخذ غلابا. كما أن لا شيء يؤخذ غلابا في هذا البلد، حيث الانفصام تام بين السلطة والناس… وحيث الصفقات والمشاريع أهم بكثير من عمال ومرضى لا يستطيعون الوصول إلى ودائعهم ليتعالجوا وطلاب لا قدرة لذويهم على تعليمهم.
كما أن هناك أولويات أهم بكثير من حقوق عمال الكهرباء المقطوعة وحقوق عامة اللبنانيين. هناك صفقة العمر للرئيس القوي حتى يسجل إنجازاً قبل مغادرته الكرسي.
ولأجل هذه الصفقة قد تتيسر مهزلة تشكيل حكومة عوضاً عن انتخاب رئيس للجمهورية قبل شغور الموقع نهاية الشهر.
وما أهمية حقوق عمال وغيرهم من شرائح المجتمع اللبناني مقابل أن يسجل التاريخ أن التطبيع المقنّع برضى الحاكم بأمره قد تحقق مع تنازل ولهاث لإبرام الصفقة.
وما يفوق المهزلة هو تصوير المسرحية التي حصلت لمناقشة مسودة الاتفاق مع مستشاري الرؤساء الثلاثة الذين لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالعلم والاختصاص المطلوبين لمناقشة مسألة تقنية تتعلق بالثروة القومية.
وأيضاً، تصوير ما يحصل بأنه أقل من إتفاقية وفق المفهوم الرسمي للعلاقات الدولية، وخاص بظروف لبنان ورفضه أي تعامل مباشر مع العدو الصهيوني الغاشم، لذا لا لزوم لتمر المسودة بقنوات يفرضها الدستور والقانون، بعد أن تم انتزاع الملف من يد الجيش اللبناني والخبراء الذي كانوا يعقدون جلسات المفاوضات غير المباشرة مع الجانب التقني الإسرائيلي في الناقورة، وانتقل إلى ممثلي الطوائف في هيكلية الدولة، والذين لا يخالفون إرادة الحاكم بأمره، لا بنقطة ولا بفاصلة.
في المقابل، تحولت حكومة هذا العدو إلى ورشة عمل بوتيرة حامية لتحفظ مكتسباتها من الصفقة، رأى فيها أشاوسة الممانعين عاصفة سياسية تدل على الارتباك والضعف.
لكن يبقى الأصعب، وهو تحول بنود الاتفاق إلى فضيحة «بجلاجل»، بحيث بات ترقيع هذه الفضيحة هدفاً سامياً، بعد تسرب هذه البنود التي تدل على أن الجانب اللبناني هو الذي تميّز بمرونة لا علاقة لها بالوطنية والمحافظة على مصالح لبنان العليا، في التخلي عن الخط 29 الذي لم يقبل المفاوض الأميركي والجانب الإسرائيلي النقاش بشأنه، متخلياً عن 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية تشمل أجزاء من حقل «كاريش».
أما عن لهجة الابتزاز والتهديد التي روّج لها الحاكم بأمره، فهي تصبح من الذكريات إذا ما جاءت الأوامر بالتراجع عنها من رأس المحور ومصالحه وبحثه عن مخارج لأزماته المتراكمة والمتسارعة.
المهم تحقيق الإنجاز بمستوياته المتعددة من طهران إلى بيروت، وذلك بعد عبوره بما يشبه تقاطع المصالح بين العدو الغاشم والممانعين الأشاوس وصولاً إلى المطالبة الشكلية بضمانات تخفف من وقع الفضيحة.
وقد تنقلب هذه المطالبة الشكلية واللفظية على أصحابها، فيطير الإنجاز، وتعود الأمور المتعلقة به بناء على البنود الداخلية للسمسرات الضمنية إلى نقطة الصفر… وحينها لا حكومة ولا ترتيبات للفراغ المرتقب… ولا من يحزنون.
حينها تنتهي عمليات التمحيص في الصفقة ويستعيد الحاكم بأمره لهجة التهديد والوعيد وتربيح الجميل للبنانيين بأنه الأحرص على مصالحهم… ونعود إلى إضراب عمال الكهرباء والأساتذة المتعاقدين وما إلى ذلك من فولكلور لبناني أصبح خبزنا اليومي…