Site icon IMLebanon

أما وقد فكرتم بنسف الاتفاق…

 

 

أمس، استفاق الجميع على صراخ مرتفع في إسرائيل. قرر يائير لابيد رفض التعديلات اللبنانية على مسوّدة الاتفاق البحري. وعشنا ساعات طويلة من التهديد والوعيد، قبل أن ينتهي المجلس الوزاري المصغر مساء إلى موقف ملتبس لا يحمل رفضاً للاتفاق، بل يحصر مشكلته مع بعض التعديلات التي طلبها لبنان. وتصرّف الجدّيون، من كل الأطراف المعنية بالملف، على أساس أن ما يجري في إسرائيل لا يتجاوز العمل تحت الضغط الانتخابي، وأن «لابيد يحاول أن يعمل أبو علي على حسن نصرالله» على حد تعبير الأكاديمي الإسرائيلي يوني بن مناحيم.

 

لكن، لنفترض أن إسرائيل تريد، من خلال رفض التعديلات اللبنانية، خوض مغامرة تهدّد بنسف الاتفاق، أو أنها تريد كسب مزيد من الوقت والمماطلة والتسويف سعياً إلى ظرف أفضل لها على صعيد طبيعة الاتفاق، فما الذي يعنيه ذلك؟

بعد جولات التفاوض الأخيرة، تعرّف العدو إلى تفاصيل لم يعتدها سابقاً من السياسيين اللبنانيين. وأدرك العدو، أيضاً، أن موقف المقاومة شكّل عامل كبح لأي تنازل إضافي يمكن أن يقدم عليه أحد في لبنان. لكن المقاومة لم تكن لتقف عند هذا الحد، خصوصاً عندما أعلمت العدو، بالخطاب وفي الميدان، أنها جاهزة لما هو أبعد بكثير من ضربة تذكيرية على غرار ما حصل يوم أرسلت المسيّرات فوق حقل «كاريش».

 

يقول لنا العدو، اليوم، إنه مستعد لنسف الاتفاق، وإنه في هذه الحالة يهدّد لبنان بحرمانه من الغاز والنفط وبتهديد أمنه وما تبقى لديه في حال حصول مواجهة عسكرية.

وما يهم العدو اليوم ليس موقف الحكومة اللبنانية فقط، بل ضمان تكبيل المقاومة من جهة، ومنع لبنان من البحث في أي واقع على الحدود البحرية أو البرية لاحقاً. وفي هذه الحالة، يُستحسن بالعدو أن يقرأ الموقف اللبناني بطريقة أخرى. ولمساعدته على ذلك، على العدو أن يعلم جيداً أن تعنّته سيقود إلى واقع مختلف تماماً:

– إن نسف الاتفاق يعني نسف المسار التفاوضي الذي عرفناه خلال الأشهر الماضية، والعودة إلى النقطة الصفر تعني العودة إلى سقف لبناني مختلف عما جرى التداول به. وهناك بحث جدي وجوهري بأنه في حال إصرار العدو على رفض الاتفاق، فإن السقف الجديد سيكون انطلاقاً من الخط 30+، وليس الوقوف عند الخط 23.

– إن نسف الاتفاق بحجة أن لبنان يرفض ترسيم الحدود البحرية والدولية الآن لا يُقلق المقاومة التي لا تعترف أساساً لا بالحدود القائمة الآن كأمر واقع ولا بالحدود كما رسمها الاستعمار. بالتالي فإن العدو سيكون معنياً بالجواب على سؤال يسبق كل هذا الكلام: هل يريد استخراج الغاز أم لا؟

 

تأخير الاتفاق إلى ما بعد عهد عون يجعل المقاومة الواثقة بالرئيس تستعيد الهامش الذي أعطته إياه

 

يعتقد العدو بأن تأخير العمل في حقل «كاريش»، مع مناورة تأخير الاتفاق، سيمنع المقاومة من التحرك، مفترضاً أن المسالة مرتبطة بـ«كاريش» فقط، ومتجاهلاً أن السبب الرئيسي لتحرك المقاومة هو القرار بفكّ الحصار الغربي عن لبنان وتحصيل الحقوق البحرية التي تساعد على مواجهة الأزمة. وسيكون مفيداً للعدو أن يطرح على نفسه سؤالاً عما إذا كانت المقاومة (في لبنان وفي فلسطين أيضاً) ستتركه يعمل بحرّية في بقية الحقول، وفق معادلة «ما بعد كاريش».

إذا كان في إسرائيل، أو في الولايات المتحدة، من يراهن على أن تأخير الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات، سيسهّل الأمر في ظل تغييرات يتوقع الغرب حصولها لبنانياً على صعيد الرئاسة والحكومة، فإن هؤلاء لا يفهمون أهمية ثقة المقاومة بالرئيس ميشال عون على وجه الخصوص، وأنه في حال الشغور الرئاسي، أو في ظل الانقسام السياسي الجديد، فإن المقاومة ستستعيد هامشها الأكبر الذي قلّصته بنفسها لثقتها بالرئيس عون. بالتالي، فإن الرهان على تغييرات تقود لبنان إلى تنازلات في مرحلة لاحقة ينمّ عن عدم فهم جدي لاستراتيجية المقاومة وآلية تفكيرها.

أما الكلام المرتفع السقف الذي ضجّت به وسائل إعلام العدو أمس عن استنفار عسكري وعن تهديدات بتدمير لبنان وعن استعدادات للقيام بعملية عسكرية ضد المقاومة، فيدعو إلى السؤال عما إذا كان في إسرائيل من يصدّق أن هذا الأمر ممكن. وإذا ما غامر أحدهم، فعليه أن يستعدّ جيداً، لأن في قيادة المقاومة من لديه القدرة والإرادة على اتخاذ قرارات لا تترك معنى لأي اتفاق لترسيم الحدود البرية أو البحرية على حد سواء. أما الاعتقاد بأن التهديدات ستردع المقاومة، فالرد عليها يأتي من كلام رئيس الموساد الإسرائيلي ديدي بارنياع الذي قال أمس: «لقد تعهد نصرالله علناً ​​بمنع إنتاج الغاز من كاريش إذا لم يكن هناك اتفاق… وهناك خوف من أنه سيضطر لإظهار أنه يفي بكلمته».

 

من ملف : الاتفاق الآن… أو؟