IMLebanon

خليفة لـ “الديار”: عدم انطلاق الترسيم من رأس الناقورة يكرّس احتلال العدو لها ويُعطيه حقّاً سيادياً بجزء من “قانا”

 

لا وجود لـ “قانا” في الاتفاقيّة ولا في الخرائط الإسرائيليّة وهو و “كاريش” حقل جيولوجي واحد فلماذا تنازلنا عن االـ 29؟

 

“سنتقدّم بدعوى داخليّة ودوليّة ضدّ الرؤساء الثلاثة وكلّ مَن يُظهره التحقيق مشاركاً في خرق المادة 2 من الدستور اللبناني”

 

لا يزال لبنان ينتظر توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينه وبين العدو الإسرائيلي بوساطة أميركية، ولا تزال بعض الأصوات بالموازاة، تنتقد هذه الاتفاقية، وتصفها بالمخالفة للدستور اللبناني وللاتفاقيات وللقوانين الدولية. ومن بين هذه الأصوات، جمعية “الدفاع عن حدود لبنان في البرّ والبحر”، برئاسة المؤرّخ والباحث الدكتور عصام خليفة، الذي يتهم المسؤولين اللبنانيين بخرق الدستور من خلال التخلّي عن نقطة رأس الناقورة التي تُعتمد كأساس لرسم الحدود البحرية، كونها أول نقطة حدودية بريّة تصل اليها مياه البحر، وذلك وفقاً للقواعد المعتمدة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. ومن هذه النقطة- الأساس ينطلق خط الوسط الذي يفصل بين المياه الإقليمية، والمنطقتين الإقتصاديتين الخالصتين لدولتين متجاورتين، فلماذا جرى التخلّي عن هذه النقطة، ووفقاً لأي قانون؟ كما يؤكّد على أنّ اعتماد لبنان الرسمي على الخط 23 الذي ينطلق من مسافة 30 متراً شمال رأس الناقورة، بدلاً من الخط 29 الذي وحده ينطلق من رأس الناقورة، والذي أكّدت عليه قيادة الجيش اللبناني المعنية بترسيم الإحداثيات والحدود، وتقرير المكتب البريطاني، يعني تنازلاً من قبل المسؤولين اللبنانيين عن سيادة الدولة اللبنانية على هذه النقطة، لا سيما مع احتلال “إسرائيل” لما يزيد على 3000 م2 من رأس الناقورة، ووضع الخط الأزرق على بُعد 30 متراً من تلك النقطة شمالاً.

 

ويقول أستاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية الدكتور خليفة لجريدة “الديار”، هو الذي يملك مراجع ووثائق مهمّة وأساسية عن حدود لبنان تعود الى إنشاء لبنان الكبير، والمنطقة ككلّ، بما فيها الحدود التركية والسورية والعراقية والمصرية والفلسطينية، انّ “اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل” يناقض الدستور اللبناني والقوانين الدولية، فيما عليه الإنطلاق من القانون الدولي، ومن الحدود البريّة”، موضحاً “أنّ الجيش اللبناني، بحسب القوانين والأنظمة، هو الذي يرسّم الحدود عادة، من ضمن مهمّته الهيدروغرافية والجغرافية، وهو الملمّ بالإحداثيات، وقد قال إنّ “خط الحدود الدولية هو الخط 29، وسيفاوض انطلاقاً منه”. وعند التفاوض كلّ طرف يتراجع قليلاً للوصول الى حلّ وسطي. وما حصل هو أنّ الوفد اللبناني المفاوض على طاولة الناقورة انطلق من نقطة رأس الناقورة، من دون إعطاء تأثير لصخرة “تخليت”. ولهذا طالب المسؤولين بتعديل المرسوم 6433 الذي يعتمد الخط 23، لكي يتطابق مع ما يتفاوض عليه أي الخط 29. غير أنّ الجيش رسّم ولم تستجب السلطة السياسية لترسيمه الذي بُني على آراء علمية، ولم ترسل بالتالي اقتراحه لتعديل الإحداثيات في المرسوم 6433 المودع لدى الأمم المتحدة.

 

ويؤكّد د. خليفة باسم جمعية “الدفاع عن حدود لبنان”، ومؤلّف كتاب “رسم الحدود” (1985)، وكتاب “المياه والحدود” من ثلاثة أجزاء (2005)، نشر فيه ترجمة لنصّ ترسيم الحدود بعد اتفاق الهدنة باللغة العربية، أنّ “رأس الناقورة هو جزء من الأراضي اللبنانية، وهذا مثبت في القانون الدولي بناء على وثائق عديدة هي: خريطة غورو بإنشاء لبنان الكبير، وما ورد في الخريطة الملحقة بالقرار 318 (بتاريخ 31 آب 1920)، والخريطة الملحقة بمؤتمر باريس (في 23 كانون الأول 1920)، وهو معاهدة بين فرنسا وبريطانيا جرى خلالها تحديد حدود منطقة الشرق الأوسط. وانتقلت اللجنة التي ترأسها حينئذ كلّ من بوليه (عن فرنسا) ونيو كومب (عن بريطانيا)، من التحديد الى الترسيم على الأرض، وجرى التوقيع على ما يُعرف بـ “إتفاقية بوليه- نيو كومب” (في 7 آذار 1923)، ووافق عليها العدو الإسرائيلي. وحصل بعدها تثبيت لهذه الحدود في عصبة الأمم عام 1924، ولاحقاً عام 1932، فضلاً عمّا ورد في المادة 5 من اتفاقية الهدنة (في 23 آذار 1949)، وفي محضر اللجنة اللبنانية – الإسرائيلية المشتركة مع خريطة ملحقة (بين 5 و15 كانون الأول 1949). وهذا المحضر موقّع من قبل الكابتن اسكندر غانم عن لبنان (الذي أصبح قائداً للجيش) والكابتن فريد ليندر (الذي هو أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الأميركية) عن “إسرائيل”. فلماذا يتمّ التخلّي عن هذه النقطة في اتفاقية الترسيم البحري اليوم؟

 

وأضاف انّ المسؤولين خالفوا المادة 2 من الدستور التي تنصّ على أنّه “لا يحقّ لأي مسؤول التخلّي عن أي جزء من الأراضي اللبنانية”. فيما تنطلق كلّ الوثائق والخرائط المذكورة آنفاً من رأس الناقورة، كما أنّ اتفاقية الهدنة التي هي وثيقة دولية، قد جرى اعتمادها في “وثيقة الطائف” في البند 3 منه، ما يجعلها جزءاً من الميثاق الوطني، وهي تؤكّد أنّ رأس الناقورة في لبنان. ثمّ جرى الربط بين “اتفاق الإطار” الذي اعتبر الخط الأزرق خطّ حدود، في حين أنّه خطّ إنسحاب. علماً بأنّه هناك خرائط واتفاق للحدود البريّة، وعليهم تثبيت الترسيم الذي حصل وليس ترسيم الحدود من جديد، لأنّ هذا سيجعلهم يعيدون النظر بهذا الخط الحدودي، وباتفاق الهدنة في المادة الخامسة منه في الفقرة الأولى الذي ينصّ على “أنّ خط الحدود هو نفسه خط الهدنة”. علماً أنّنا الدولة العربية الوحيدة التي لديها تطابق بين خط الهدنة وخط الحدود، وهذه نقطة قوّة لنا. فلماذا نتخلّى عنها؟ لقد تخلّوا عنها ببساطة… واليوم، هناك اتفاق ترسيم حدود بين لبنان و”إسرائيل”، لدينا خريطته ومحتواه وقد ترجمته الى اللغة العربية، على ما أضاف، ولهذا فعندما يتمّ التخلّي بالتالي عن رأس الناقورة، وعن جزء من الأرض هناك، وعن المياه البحرية لأنّ الخط انطلق من 5818 متراً، وأحدث خط “طفّافات”، فهذا يعني سيادة إسرائيلية في المياه الإقليمية، ويعني أيضاً مخالفة المادة الثانية من الدستور.

 

وفي ما يتعلّق بموقف المسؤولين من هذا الأمر، قال د. خليفة، “إنّهم لا يقرؤون التاريخ ولا يفهمون المواثيق والاتفاقيات الدولية، وهم (أي الرؤساء الثلاثة)، ومن يُظهره التحقيق مشاركاً، ستشملهم الدعوى التي سنقدّمها ضدّهم كونهم خرقوا المادة 2 من الدستور”، كاشفاً “أرسلنا لهم إنذاراً عبر محامين للتراجع عن الإتفاق وخرق القانون الذي اقترفوه، ومرّ الإنذار ولم يتراجعوا. لهذا سنتقدّم بدعوى ضدّهم لأن الرؤساء الثلاثة والنائب والوزير والموظف وأي إنسان جميعهم تحت القانون والدستور، وذلك تبعاً للمادتين 277 و232 من قانون العقوبات، وليس فقط داخلياً بل دولياً أيضاً أمام الأمم المتحدة، لأنّ ثمّة فسادا واضحا في الموضوع، وسنطعن في الإتفاق بصفتنا جمعية وجمعيات وأشخاصا وأكاديميين وضبّاطا متقاعدين وقضاة متقاعدين ومحامين، وثمة نوّاب يؤيّدون موقفنا، لم نتحدّث معهم بخصوص الدعوى، ولكنّنا ننسّق معهم ويتبنّون طرحنا وتقدّموا بمواقف تصبّ بما نقوله، والقوانين الدولية تسمح بالطعن، وهذا أمر موجود في كلّ دول العالم”.

 

وأوضح أنّ موقف المسؤولين بالتزامهم الخط 23 بدلاً من الخط 29 في اتفاقية الترسيم، ينطبق على المادة 302 من قانون العقوبات اللبناني الذي ينصّ على أنّ “من حاول أن يسلخ عن سيادة الدولة جزءاً من الأرض اللبنانية عوقب بالإعتقال الموقّت أو بالإبعاد. وكذلك، المادة 277 من القانون نفسه التي تنصّ على أنّه “يُعاقب بالإعتقال الموقّت خمس سنوات على الأقلّ كلّ لبناني حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزءاً من الأرض اللبنانية ليضمّه إلى دولة أجنبية أو أن يملكها حقّاً أو امتيازاً خاصّاً بالدولة اللبنانية”.

 

واتهم خليفة المسؤولين اللبنانيين بالتخلّي عن ثروة تُقدّر بمئات مليارات الدولارات (بمساحة 1430 كلم2) الى العدو الإسرائيلي من خلال تنازلهم عن الخط 29 على نحو غير قانوني وغير علمي وغير وطني، وذلك لمصلحة الخط 23 الذي تبيّن بالوثائق الدامغة أنّه “اختراع إسرائيلي”، كما بالتطبيع مع “إسرائيل”. وقال إنّ “الاتفاقية تُكرّس احتلال العدو لرأس الناقورة الى أجلٍ غير مسمّى بعدم ربط البرّ بالبحر، وتعطي حقّاً سيادياً للجانب الإسرائيلي بجزء من حقل “قانا”، وهذا الحقّ مدوّن في الأمم المتحدة من خلال الخط 23، من دون أن تشير الإتفاقية الى أنّ “للبنان سيادة تامّة على حقل قانا”، غير المذكور أساساً فيها، بل مشار إليه بـ “المكمَن المحتمل”. فلا وجود لحقل “قانا” بالنسبة للإسرائيليين، لأنّ خرائطهم لا تنصّ على وجوده، وهم يعتبرونه جزءاً من حقل “كاريش”. والحقلان في الواقع هما حقل جيولوجي واحد، ولكن جزءا منه خارج الخط 23، والجزء الآخر داخله. وبدلاً من أن يكون خط لبنان الحدودي هو الخط 29، ويحصل على أكثر من نصف حقل “كاريش” الذي يتضمّن 1.14 تريليون قدم مكعّب (كلّ تريليون يعني ألف مليار)، و26 مليون برميل نفط، ونتفاوض عليه، أكلوا “كاريش” في هذا الإتفاق، وفرّطوا بمردوده المالي، ويضخّ الإسرائيليون اليوم من الحقلين معاً ويضحكون علينا”.

 

وعن التوقيع على اتفاق الترسيم، شدّد على أنّه “يجب أن يخضع للدستور، وأن يحصل على إجازة من مجلس النوّاب، وأن يجري إبرامه من قبل مجلس الوزراء بموافقة رئيسي الجمهورية والحكومة. ولهذا لا يمكن تمرير الصفقات على حساب لبنان، فقد سبق وأن خسر لبنان مع قبرص أكثر من 2300 كلم2، ومع سوريا 750 كلم2، واليوم يخسر مساحة إضافية، وذلك نتيجة سوء إدارة المسؤولين للملف النفطي”.