بات بحكم المؤكد أنه في ضوء الأجوبة التي سيحملها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و «إسرائيل»، سيتحدّد الموقف اللبناني الرسمي من هذه القضية، وإن كان التباين ما زال مخفياً وراء البيانات والمواقف السياسية والحزبية المعلنة منذ رسو سفينة الإنتاج اليونانية جنب الخطّ 29 البحري، وصولاً إلى واقع التهديد «الإسرائيلي» للبنان، والذي أثار المخاوف بشكلٍ جدّي من تدهور الأوضاع باتجاه مواجهة عسكرية لم تكتمل عناصرها بعد.
وبرأي مصادر سياسية مطلعة، فإن قضية الترسيم قد أصبحت منذ اليوم أمام احتمالين، الإنفراج أو التصعيد، إذ من غير الممكن مواصلة «إسرائيل» أعمال استخراج الغاز من منطقة الحدود البحرية، فيما لبنان ما زال عاجزاً عن توحيد المواقف بين المسؤولين بالنسبة لمنطلقات التفاوض، بعدما بات من شبه المؤكد أن الوساطة الأميركية في هذا الملف، لم تكن يوماً موضوعية أو محايدة، بل أتت في كل محطاتها التفاوضية، لمصلحة العدو الإسرائيلي، وهو ما زاد من تعقيدات قضية الترسيم، وبالتالي، راكم الخلافات في لحظةٍ داخلية شديدة الخطورة على المستوى المالي، كما الإقتصادي.
ومن هنا، فإن المصادر نفسها، تتوقّع: أولاً تراجع السجالات الداخلية، ولكن من دون أن تتّجه هذه القضية إلى التسوية، ثانياً على أن تبقى صورة الثروة البحرية غامضة على الأقل في المرحلة الراهنة، ثالثاً فإن التنسيق الرئاسي الذي كرّسته الإتصالات المكثفة التي سبقت وصول هوكشتاين، قد ساهم في رسم ملامح الردّ اللبناني على طروحات الوسيط الأميركي التي بقيت من دون جواب منذ شباط الماضي.
وعلى قاعدة الإبقاء على هذه الثروة بمنأى عن الإستباحة «الإسرائيلية»، حتى بلورة مصير عملية التفاوض، فإن التواصل لن ينقطع وقد تتراجع وتيرته، على حدّ قول المصادر نفسها، خصوصاً وأن أكثر من فريق قد دخل بالأمس على خطّ التفاوض، أو على الأقلّ إعلان المواقف إزاء الحقوق في النفط والغاز، وهو ما برز عبر التحرّكات الأخيرة لنواب «التغيير»، الذين جالوا في الجنوب أولاً، ثم زاروا الرئيسين ميشال عون ونبيه بري ثانياً، على أن يكون الصوت النيابي لـ «التغييريين»، كما للكتل الأخرى، مساحةً في الورقة اللبنانية إلى المرحلة المقبلة من المفاوضات.
وبالتالي، فإنه من الصعب، كما تقول المصادر نفسها، أن تتّجه قضية الترسيم إلى الحسم في المرحلة الحالية، بانتظار نضوج الطروحات المتعدّدة والوساطات غير المرئية التي سُجّلت على خطّ تهدئة مناخات التصعيد الكلامي التي بدأت تطغى على المشهد الجنوبي في الأيام القليلة الماضية.
ولا تُخفي المصادر السياسية المطلعة، أن قضية الترسيم، قد تكون الأخطر اليوم على الساحة الداخلية، ولذلك، فإن إدراجها في سياق الصراعات السياسية الداخلية، يُشكّل ضربةً وإساءة إن لم يكن جريمة وطنية، كون الثروة البحرية، ليست ورقةً بيد السياسيين أو مادةً للمزايدة السياسية، ولذلك، من الضروري اليوم الإبتعاد عن كلّ ما من شأنه أن يضيّع هذا الحقّ اللبناني مرةً جديدة بعدما كان جزء منه قد ضاع في العام 2011.