IMLebanon

هذه هي “المواعيد” التي “طيّرتها” مسيّرات كاريش؟!

 

في الوقت الذي اقترب لبنان مِن وضع «رسم تشبيهي» يشكّل «خريطة الطريق» المتوقعة للمحطات المقبلة على طريق إحياء مفاوضات الترسيم غير المباشرة مع اسرائيل في ضوء المعطيات الاميركية الجديدة التي تبلّغها في الايام القليلة الماضية، جاءت المسيّرات الثلاث التي ارسلها «حزب الله» إلى المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة لتغيّر في مسار التوقعات الى درجة يمكن ان تؤدي الى نَسفها. وعليه، ما هي المواعيد التي طارت؟

بعد أقل من 36 ساعة على جولة السفيرة الاميركية في بيروت دوروتي شيا العائدة من واشنطن، على كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وما نقلته من اجواء ايجابية أوحَت بقرب استئناف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، خرقت طائرات «حزب الله» المسيّرة مسار التطورات إلى درجة يمكن ان تؤدي الى «خربطتها» واعادة النظر في كثير مما تحقّق منها في مرحلة هي الأدق والأخطر في ضوء الاجواء الدولية التي انتهت اليها برامج العقوبات النفطية التي فرضت على موسكو نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وما ادت اليه من صعوبات طاوَلت قطاع الطاقة العالمي على مساحة الكون، وخصوصاً الدول الاوروبية التي وجدت نفسها في مواجهة شرسة على الساحة الاوكرانية.

 

فقد عكست جولة شيا الجمعة الماضي على المسؤولين اللبنانيين اجواء ايجابية سارعوا الى تبادل وجهات النظر حولها تحضيراً للمرحلة المقبلة التي من شأنها ان تترجمها الدعوة الاميركية المحتملة الى استئناف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة في مهلة أقصاها نهاية تموز الجاري. واستندت هذه التوقعات الإيجابية الى ما نقلته شيا إليهم من أسئلة توحي انّ هوكشتاين دخل في المفاوضات مع الإسرائيليين إلى مرحلة البحث في تفاصيل تقنية وحسابية دقيقة تتصِل برسم الخط اللبناني المقترح من اجل استكمال البحث في المرحلة المقبلة التي ستقود الى احياء مفاوضات الناقورة فور تَلمّسه تقارباً بين وجهات النظر.

 

وان دخل المراقبون والمتابعون الى مراحل المفاوضات في التفاصيل، فقد سألت شيا عن المعطيات العلمية والجغرافية التي ادت اليها الإحداثيات التي دفعت لبنان الى المطالبة بتعديل «الفجوة» المقترحة من هوكشتاين وتوسيعها لتضمّ الجزء الجنوبي الكامل من «حقل قانا» الى البلوك الرقم 9 ليكون كاملاً من حصة لبنان. فالجزء المَحكي عنه يقع بالنسبة إلى الخريطة البحرية الاسرائيلية في شمال «البلوك 72» التابع لها وفق تقسيماتها للمنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة وعلى تَماس مباشر مع البلوكات اللبنانية الثلاثة 8 و9 و10 حيث تنتشر مجموعة من الاحواض الغنية بالثروات النفطية المختلفة.

 

كذلك سألت شيا عن طريقة ترسيم الخط الجديد المطلوب تعديله من الجانب اللبناني ليكن مستقيماً من نقطة التعرّج عند حقل قانا في اتجاه النقطة 23، ليستعيد لبنان ما سَلبه خط الوسيط الاميركي من البلوكين 9 و8 من خلال رفع حصته منهما من 860 كيلومترا وفق ما اقترحه «خط هوكشتاين» إلى ما يقرب من 1200 كيلومتر.

 

عند هذه المعطيات التي نقلتها شيا من واشنطن الى بيروت، وبالإنابة عن هوكشتاين تفاءلَ المسؤولون اللبنانيون في ان البحث الجدي قد تحقق، خصوصاً ان الدفاع عن هذه النقاط الاساسية سَهّل بالنسبة الى الجانب اللبناني إمكان التهديد بالعودة الى الحديث عن الخط 29 وتعديل المرسوم 6433. وهو امر يجب ان يكون له ثمن لدى الجانبين الاميركي والاسرائيلي مع علمهم الأكيد انّ في إمكان لبنان ان يُحيي هذا الطرح في اي وقت، فالخط 29 وان تجاهله لبنان في هذه المرحلة فإنه ما زال من أوراق القوة التي يجب ان يحتسبها له الجانبان أيّاً كانت المعطيات لديهما.

 

لم تكن العودة الى هذه المعطيات من اجل إحياء الذاكرة، فلم يمر اكثر من اسبوعين او ثلاثة على الحديث عن هذه المعطيات ولكن للإشارة الى ما أحدَثه اطلاق المسيّرات الثلاث على الوضع برمّته وما تركه الحادث من ترددات سلبية قد تؤدي الى تجميد مهمة الوسيط الاميركي في أقل الاحتمالات. وان كان الحديث عن الحرب او عملية عسكرية ليس اوانه اليوم، فإن اثارة الجانب الاسرائيلي بعدم الاكتفاء بتدمير المسيّرات قبل بلوغها اهدافها يدفع تلقائياً الى احتمال القيام بعملية عسكرية تؤدي، ليس الى تعطيل المفاوضات، انما ستكون انعكاساتها كارثية على موسم الاصطياف في لبنان وتُسقط الرهانات المعقودة على دخول بعض المليارات الى الأسواق المالية اللبنانية للتخفيف من اسوأ ازمة مالية ونقدية تعيشها البلاد. فإسرائيل لن تتاثر بأي عملية من هذا النوع لأنها تحتفظ بالقدرة على خوض معاركها على أراضي الغير، وان مسيّرة من هذا النوع لن تغيّر في قدرات اسرائيل على المواجهة وان تسببت بإزعاج يمكنها ان تتجاوزه.

 

والى هذه المخاطر التي تسببت بها المسيرات فإنّ الظروف الدولية وما تعيشه المنطقة من تحضيرات لزيارة الرئيس الاميركي الى اسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية لن تجعل اي فريق اممي او دولي الى جانب لبنان، لا بل فإنها ستزيد من عزلته الدولية التي يتعرض لها وتعوق كل المساعي المبذولة لتجاوز الازمة الحكومية قبل دخول البلاد مدار انتخاب رئيس جديد للجمهورية يقودها الى عهد جديد تُعلّق عليه الآمال لإحداث تغيير عجزت المنظومة الحالية عنه.

 

لم تتوقف القراءات عند هذه المعطيات فحسب، فهوكشتاين وبعد الإعلان عن تدمير المسيرات الثلاث، أبلغَ الى كل من نائب رئيس مجلس النواب المكلف ملف المفاوضات رئاسياً الياس بو صعب والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي تحدث اليه طويلاً، ضرورة ان يبرّر لبنان ما جرى وان كان المفاوضون الرسميون على عِلم مسبق بإطلاق المسيّرات التي تهدّد سَير مفاوضاته، وقد تعلّقها ان ظهر انّها كانت لغايات تؤدي الى وقف مَساعيه، فهو «لم يعد الى حلبة المفاوضات لولا مجموعة التعهدات اللبنانية التي تلقّاها لإحياء مساعيه في مثل الظروف التي تعيشها البلاد اقتصادياً ومعيشياً وما تشهده المنطقة والعالم على مستوى أزمة الطاقة التي تَجلّت بالبحث عن مواردها الأقل كلفة والأسرع توافراً لتلبية حاجات حلفائه الأوروبيين قبل بلوغ موسم الشتاء المقبل، بعدما قلّصت العقوبات الدولية على موسكو من حاجات أوروبا اليها وفرضَت عليها البحث عن موارد بديلة تبيّن انها في شرق المتوسط وفي نقطة هي الاقرب اليها والاقل كلفة، وكلها معطيات لن تكون في مصلحة لبنان وستزيد من عزلته الدولية والمصاعب التي تواجه اللبنانيين».

 

على هذه الأسس وجد لبنان نفسه مضطراً ليقدّم في الساعات القليلة المقبلة أجوبة واضحة على اسئلة هوكشتاين وما فاضَ منها توصّلاً الى مرحلة التبرّؤ منها بدلاً من تبنّيها. فالسفيرة شيا نقلت مزيداً من الملاحظات المتشددة الى المسؤولين اللبنانيين الذين فهموا انّ المواعيد المرتبطة بإحياء المفاوضات في نهاية تموز الجاري والانتهاء من الترسيم في ايلول المقبل، كما توقّع وزير الخارجية عبد الله بوحبيب قد تكون باتت في علم الغيب إلى اجل غير محدّد ولا يستطيع أحد التكهّن به.