كيف يريح تعديل المرسوم 6433 الوضع الاقتصادي اللبناني ويكون السبب الوحيد لاستئناف المفاوضات والتوصل الى حل عادل ومنصف للنزاع الحدودي البحري بين لبنان والعدو الاسرائيلي؟ مؤخراً، عقد الوفد اللبناني المفاوض برئاسة العميد بسام ياسين سلسلة ندوات حول ترسيم الحدود البحرية اللبنانية في الجامعات اللبنانية كان آخرها بتاريخ 18/3/2021 في الجامعة العربية المفتوحة، حاضر فيها أعضاء الوفد اللبناني المفاوض، حيث تمّ توجيه رسائل عدة وتم شرح، خلال الساعات الثلاث المخصصة لكل ندوة، ما قاله قائد الجيش بأقل من دقيقة واحدة عندما صرّح ان دور الجيش تقني بحت، وأنه جديّ إلى أبعد الحدود للوصول الى حل يحفظ الحقوق والثروات الوطنية وفقاً للقوانين الدولية، ودعوته السلطة السياسية الى دعم الوفد المفاوض وتحديد ما هو مطلوب منه. وتبين من خلال الشرح الذي قام به الوفد المفاوض أن لديه من الحجج والبراهين التي تقوي موقفه ما يجعل من الصعب على اي جهة سواءً في الداخل او الخارج ان تواجهها. بالنسبة للدور التقني، شرح الوفد بشكل واضح أن الخلاف التقني أصبح محصوراً بين خط “هوف” أي خط الوسط مع إعطاء تأثير كامل لصخرة بطول 60م وعرض 20م تدعى “تخيلت” وبين الخط اللبناني 29 أي خط الوسط، من دون إعطاء اي تأثير لهذه الصخرة. وهذا يعني أن الوسيط الاميركي يتبنى الموقف الاسرائيلي ويعطيه مئة في المئة من المنطقة المتنازع عليها ويُعطي لبنان صفر بالمئة بتبنيه لخط هوف، وفي هذه الحالة كيف يكون وسيطاً عادلاً؟
واعتبر العقيد الركن البحري مازن بصبوص عضو الوفد المفاوض، أن العدل في طرح الوسيط الاميركي يكون بخط يعرفه جيداً واستخدمه في ترسيم حدوده البحرية في خليج ماين، بينه وبين كندا باتباع خط الوسط مع اعطاء نصف تأثير لجزيرة “Seal Island” الكندية المأهولة والتي هي بطول 3,4 كلم وعرض 800 متر، فلماذا لا يطرح هذا الخيار باعطاء نصف تأثير لصخرة تخيلت غير المأهولة والتي هي بطول 60 م وعرض 20 م، ويترك لكل جانب الدفاع عن وجهة نظره لتحديد نسبة التأثير الممكن اعطاؤها لهذه الصخرة؟.
أما بالنسبة لمطالبة قائد الجيش بدعم السلطة للوفد المفاوض للوصول الى حل يحفظ الحقوق والثروة الوطنية وفقاً للقوانين الدولية، فالمقصود فيه تعديل المرسوم 6433/2011 المتعلق بترسيم الحدود البحرية اللبنانية، وقد بين الوفد المفاوض الاهمية الاستراتيجية لهذا التعديل الذي يساعد في حل الازمة الاقتصادية كما يلي:
– أولاً: اعتبر الخبير نجيب مسيحي عضو الوفد المفاوض أن تعديل المرسوم 6433/2011 وايداع الاحداثيات الجديدة لدى الامم المتحدة أمر قانوني مئة في المئة، وهذا يعود الى وجود المادة الثالثة في المرسوم 6433/2011 التي تسمح بالتعديل، ولعدم اعتراف الجانب الاسرائيلي بخط 23 المرسم بشكل احادي من قبل لبنان، وبالتالي لا يعتبر هذا الخط حدوداً بحرية نهائية معترفاً بها بين الجانبين.
– ثانياً: إن تعديل المرسوم سيجعل حقل كاريش في منطقة متنازع عليها من ناحية القانون الدولي. وبالتالي ستكون شركة “انرجين” عرضة لرفع دعوى قضائية ضدها من قبل لبنان مما يؤثر على وضعها المالي وعلى امكانية استمرارها بأعمال التنقيب. وستقوم بالضغط على اسرائيل لاستئناف المفاوضات والتوصل الى حل بأسرع وقت ممكن يحمي أموالها المستثمرة في هذا الحقل.
– ثالثاً: لا يمكن للجانب الإسرائيلي تجاهل طلب شركة إنرجين، وتركها في مأزق مالي وقانوني مع لبنان، خاصة ان هذا العدو ينتظر بفارغ الصبر بدء إنتاج الغاز الطبيعي من حقل كاريش للإستفادة منه في توليد الطاقة الكهربائية. وبالتالي سوف تكون المعركة قانونية مع شركة انرجين وليست عسكرية مع العدو الإسرائيلي.
– رابعاً: سيكون لتعديل المرسوم وقع اقتصادي مريح بالنسبة للوضع اللبناني، حيث سيتمكن الوفد المفاوض من الدفاع عن خط 29 لما لديه من أوراق قوة وملف متكامل تمّ تحضيره على مدى عدة اعوام، وفي حال السير بحل مقترح من الجانب الاميركي جنوب الخط 23، لن يكون القبول بهذا الاقتراح أمراً سهلاً من دون مقابل ومطالبة الجانب الاميركي برفع الضغط والعقوبات عن الشعب اللبناني واعادة الوضع الاقتصادي تدريجياً الى ما كان عليه سابقاً.
– خامساً: يقول البعض إنه لا يجوز التنازل بعد تعديل المرسوم، هذا يعني أن عدم التعديل هو البقاء على خط 23 وأن التفاوض الذي فُرض على الوفد اللبناني سوف يكون على مساحة 860 كلم مربع، وبالتالي وفقاً لمبدأ التفاوض سيكون هناك تنازل متبادل كما هي كافة الحالات في العالم من دون استثناء. فكيف التنازل عن 860 كلم مربع مسموح وعدم الوصول الى حل عادل يُعطي لبنان اكثر من 860 كلم مربع ويرفع الضغط الإقتصادي عن الشعب اللبناني غير مسموح. هل المطلوب اذلال هذا الشعب مقابل اتفاقات جانبية لا تستفيد منها خزينة الدولة.
– سادساً: من دون تعديل المرسوم لن يتم التوصل الى حل، وسيبقى النزاع داخل البلوكات اللبنانية 8 و 9 وسوف يؤثر على عمل شركة توتال، بدل نقل هذا النزاع الى حقل “كاريش” والتأثير على عمل شركة “إنرجين”. هذه الشركة ستكون بمأمن في حال عدم تعديل المرسوم كون النزاع هو خارج نطاق عملها وفقاً للقانون الدولي، ولن يكون هناك اي تأثير قانوني على هذه الشركة في حال عدم القيام بالتعديل الفوري للمرسوم. وبالتالي تسعى اسرائيل الى تأخير المفاوضات لحين البدء باستخراج الغاز من حقل كاريش حينها لا ينفع التعديل، ولذلك من المتوقع ان تسعى جاهدة مع الجانب الاميركي للضغط على لبنان لعدم السير بالتعديل، وعلى الجانب اللبناني أن يعلم أن اسرائيل لن تأتي الى المفاوضات بالشروط اللبنانية إلا بعد تعديل المرسوم 6433/2011 وقبل انتاج الغاز من حقل كاريش.
– سابعاً: إن تعديل المرسوم وكما تبين من خلال عرض المهندس وسام شباط عضو الوفد المفاوض، سيحمي حقلاً لبنانياً مفترضاً من الغاز كبير الحجم في البلوك 9، وقد ابتعدت شركة توتال عن التنقيب فيه 20 كلم الى الشمال خوفاً من تداخله مع حقول للعدو الاسرائيلي، حينها سيلجأ الى الابتزاز وعرقلة الانتاج منه كما فعل ويفعل منذ عشر سنوات مع الجانب القبرصي في حقل أفروديت الذي يملك 5 بالمئة منه فقط. وهذا سبب آخر يجعل من شركة توتال تتردد في العمل في البلوك 9 في حال عدم حماية هذا الحقل المفترض وابعاد الحدود الى أقصى الجنوب كما يسمح به القانون الدولي.
يؤكد الوفد المفاوض أن تعديل المرسوم له ايجابيات كثيرة ولم يجد أحد أي سيئة تذكر تقنعه بالعكس. لا يكلف الدولة والخزينة أي أعباء وهو حق كفله الدستور اللبناني والقوانين الدولية، فلماذا يتردد المسؤولون في اتخاذ القرار المناسب؟ وإن كان مبعث التردد مرتبطاً بالخوف على الوضع الاقتصادي أو التعرض لضغط اميركي، فعلى العكس من ذلك حيث أن هذا التعديل يُعطي لبنان ورقة ضغط قوية تدفع الجانب الاميركي ومن ورائه الاسرائيلي الى الجلوس الى طاولة التفاوض. حينها يتم الحديث عن امكانية مساعدة لبنان لقاء ايجاد حل لحقل كاريش بدل ابقاء النزاع داخل البلوكات اللبنانية 8 و9 ومن ثم التوسل لايجاد حل لهذه البلوكات. وبالتالي توضع الشروط على لبنان ويقع مجدداً تحت اعباء اضافية لا يمكن تحملها. لهذا السبب انتفض رئيس الوفد اللبناني المفاوض العميد بسام ياسين وأعلن بصريح العبارة أن كل من لا يوقع ويدعم التوقيع على تعديل المرسوم هو خائن في حق الوطن؟ ألا يستحق قرار التعديل إجتماع اصحاب القرار والبت به قبل فوات الاوان.