Site icon IMLebanon

مفاوضات الترسيم و»القطبة المخفية» :واشنطن «تكذب».. او بعبدا «تتذاكى» ؟

 

هل يخسر لبنان فرصة استثنائية لتحصيل حقوقه البحرية؟ هل تتحمل السلطة السياسية المناط بها الاشراف على التفاوض مسؤولية تمييع هذا الملف وتأجيله الى مرحلة لاحقة قد لا تكون مناسبة لتحصيل الحقوق من دولة الاحتلال الاسرائيلي «المأزومة» راهنا؟ هل تعرضت واشنطن لـ»فخ» لبناني مقصود ام ثمة سوء ادارة لهذا الملف تضع القيمين عليه في وضع حرج اليوم؟ هذه الاسئلة طرحت بقوة خلال الساعات القليلة الماضية في ظل تأجيل جولة التفاوض الجديدة حول ترسيم الحدود البحرية الى «اجل غير مسمى» بعدما امضت الوفود نحو خمس ساعات في الناقورة، وهي تدور حول نفسها لمحاولة فهم حقيقة الموقف اللبناني بعدما جاء الوفد العسكري حاملا معه «النقطة 29» التي اعتقد الاميركيون انها لم تعد على «الطاولة» اثر وضع رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم 6433 في «الجارور»، وهم يزعمون انهم تلقوا وعدا رئاسيا بحصر سقف التفاوض بالخط 21، ما دفع وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل الى رفع تقريره «الايجابي» الى الخارجية الاميركية بعد زيارته الى بيروت مؤخرا، وعلى الاثر تم اقناع «الاسرائيليين» بالعودة عن مقاطعة المفاوضات، لكن ما حصل في الجلسة الاخيرة طرح اكثر من علامة استفهام حول طبيعة الموقف اللبناني من هذا الملف الاستراتيجي. فاما الجانب الاميركي «يكذب» او ان ثمة من في لبنان «يرواغ» ويحاول «التذاكي» في عملية جادة للغاية لا تحتمل «انصاف الحلول»؟!

 

وفي هذا السياق، اكدت اوساط ديبلوماسية ان واشنطن تقف وراء الارجاء الجديد لعملية التفاوض وهي في طور تقييم الموقف من جديد، وسيحصل تواصل خلال الساعات القليلة المقبلة مع رئيس الجمهورية لمحاولة فهم طبيعة موقفه ازاء هذا «اللغط» الحاصل في عملية التفاوض التي بدا فيها الوفد العسكري اللبناني «يغرد» خارج «السرب» بعدما عاد الى الناقورة للتفاوض بدءا من «النقطة» التي توقفت عندها آخر الجلسات قبل خمسة اشهر، مع العمل ان هيل أكد في تقريره ان الامر لن يتكرر في جلسة التفاوض الجديدة، خصوصا انه اثنى خلال زيارته الى القصر الجمهوري على «القرار الحكيم» للرئيس ميشال عون في عدم توقيع المرسوم 6433 الذي لم يعد يكتسب اي أرضية قانونية، كانت ستسبب «صداعا» في المفاوضات. وبحسب الاميركيين تم تثبيت الخط الـ 23 المثبت في الأمم المتحدة، باعتباره مرجعية وحيدة يمكن الانطلاق منها نزولا حتى الخط واحد، اي ان لبنان لم يعد متمسكا بمساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إضافية عن الـ 860 كيلومتراً مربعاً المتنازع عليها…!؟

 

وانطلاقا من هذه المعطيات، يعتقد الاميركيون انهم تعرضوا «لخديعة» من قبل الرئاسة الاولى والفريق السياسي المحيط بالرئيس عون خصوصا ان ثلاثة من فريق عمله المقربين، الان عون، الياس ابوصعب، والقاضي سليم جريصاتي، التقوا هيل وابلغوه على نحو واضح وصريح بأن الخط 29 بات «وراء الجميع»، ولم تحصل السفارة الاميركية في عوكر على ايجابات واضحة حتى الان حيال ما حصل في الناقورة، ووفقا للمعلومات ينتظر الاميركيون ايجابات واضحة وغير ملتبسة حيال طبيعة الموقف المستجد، وعما اذا كان «سوء فهم» مقصود او «مناورة» في غير مكانها، او ثمة تراجع عن تعهدات سبق وتم ابلاغها لديفيد هيل؟! وعندها «سيبنى على الشيء مقتضاه».

 

من جهتها تكتفي الاوساط المقربة من بعبدا بالتأكيد على ان توجيهات رئيس الجمهورية للوفد المفاوض واضحة في خوض مفاوضات دون شروط مسبقة على ان لا يحصل تنازل عن الحقوق اللبنانية، مشيرة الى ان لا تعديل في موقف الرئاسة الاولى ازاء التوقيع على المرسوم 6433، مع التأكيد على ان الرئاسة الاولى لا تضع هذا الملف في اطار «البازار» السياسي بل تتعامل معه وفقا لمقتضيات المصلحة الوطنية. اما الموقف الاميركي، فتعزوه تلك الاوساط الى «سوء فهم» قد يكون حصل من قبل الموفد الاميركي لطبيعة موقف عون!

 

في الخلاصة، يبدو ان ثمة» قطبة مخفية» تظلل هذا الملف الحيوي، ولا شك بأن الوفد اللبناني خسر احدى اهم اوراقه التفاوضية بعدما بقي الخط 29 مجرد تعديل لبناني غير موثق في الامم المتحدة. والانظار تتجه الى ماهية الاجوبة اللبنانية المنتظرة اميركيا خلال الساعات القليلة المقبلة، فهل تحصل واشنطن على تعهد واضح هذه المرة بالتخلي عن «السقف» اللبناني العالي في التفاوض، حيث يحاول الاميركيون ايجاد المخرج المناسب للجولة التفاوضية الاولى من خلال اقناع انفسهم بان الوفد اللبناني جاء فقط «لحفظ ماء الوجه»، وبعد ذلك سيبدأ التفاوض الحقيقي والجدي لمنح لبنان نحو600 كيلومتر مربع من المساحة المتنازع عليها.

 

طبعا يحاول الاميركيون منح فريق رئيس الجمهورية «سلما للنزول» عن «الشجرة» في ظل اتهامه «بسوء» الادارة الديبلوماسية للملف. ولهذا تبدو «الكرة» الان في «الملعب» الرئاسي الذي يخوض اختبارا جديا «للنوايا» داخليا وامام الاميركيين، ولم يعد بالامكان الاستمرار في اتخاذ مواقف حمالة اوجه ازاء هذا الملف، فاما منع «الاسرائيليين» والاميركيين من فرض شروطهم الشكلية قبل المضمون حيال كيفية انطلاق المفاوضات، وقد بات واضحا انهما لا يريدان منح المفاوض اللبناني اي فرصة «للمناورة»، من خلال توثيق الخط 29 في الامم المتحدة بعد توقيع المرسوم «المعلق»، او ابلاغ الاميركيين بان مرحلة «جس النبض» انتهت واصبحت وراءنا وستكون الجلسة المقبلة مختلفة وعلى قاعدة «الوعود» المفترضة لهيل. مع العلم ان لكل من هذين الخيارين اثمانه الباهظة!.