IMLebanon

ترسيم الحدود البحرية: جدل سياسي والجميع يمتنع عن البحث القانوني

 

منذ أن خرج رئيس المجلس النيابي بالإطار التفاوضي، بشأن ترسيم الحدود البحرية، بادرنا إلى شرح أن هذا الإطار غير قانوني. وقد وصف العميد قطيط في حوار تلفزيوني على الجديد، في حينه، هذا الإطار بالخيانة. وقد كان ملاحظا أن الذي قام بالتفاوض بشان هذا الموضوع، لم يكن رئيس الجمهورية، مما يعني أن التفاوض كان أساسا مخالفا للدستور.

ناقشنا الموضوع مع عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية التي تدّعي السيادة (يراجع كتابنا بعنوان: العدالة للبنان وشعبه الصادر عام 2020). لكن موقفها كان مخيّبا جدا. فقد اعتمد هؤلاء النقد الخجول، أو الصمت بل ذهب بعضهم إلى تبنّي ذلك الإطار. وقد أملنا كثيرا أن يلقى التحرك الذي قام به عدد من الإخصائيين وعلى رأسهم الدكتور عصام خليفة، والذي لقي دعم هيئات من المنظمات والجمعيات الأهلية، وخاصة في مجموعات الثورة، ذلك الصدى المفيد لدى المعنيين. لكن موقف الأحزاب الكبيرة غلب هذا التحرك الذي ظلّ في أقصى حالة، إعلاميا.
1- يحدد الإطار التفاوضي الذي وضعه الرئيس بري، وتبنّاه رئيسا الجمهورية ومجلس الوزراء، الخط الأزرق، كمعيار لتحديد نقطة الحدود البرية التي ينطلق منها رسم الخط البحري التفاوضي. وهذا الخط الأزرق هو خط أمني فقط، لا يتطابق مع الخط القانوني المحدد في ترسيم الحدود لعام 1923 بين الإنكليز والفرنسيين، والذي تمّ الإعتراف به دوليا. وقد تمّ تكريس هذا التحديد في إتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة، وبموافقة إسرائيلية موثقة.
لقد طالبنا مرارا، بالعودة إلى اتفاقية الهدنة. ومن المؤسف أن صوتنا ظل دون صدى. قلنا أن اتفاقية الهدنة ملزمة للبنان وإسرائيل والأمم المتحدة. وهي ملزمة للمجتمع الدولي برمته، عملا بالمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، خاصّة وأن إتفاقية الهدنة تخضع لقرار مجلس الأمن القائم صراحة ونصا، على المادة 40 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
لا يوجد أي قرار آخر، بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي، ينص صراحة ونصا على المادة من ميثاق الأمم المتحدة التي أسند لها القرار، وذلك كي يبقى الأمر خاضعا للإجتهاد. وهذا ما حصل بشأن القرار 425 (1978) الذي كانت السلطة في لبنان، في حينه، موافقة على أنه يخضع للفصل السادس، أي لمبدأ التسوية السلمية للنزاع، وليس للفصل السابع، كما كنت أنادي. ونحمد الله، أن السلطة وافقت عام 1998 و1999على شروحنا، فلم يضطر لبنان إلى الجلوس على طاولة مفاوضات مع إسرائيل، وفقا للفصل السادس، للتوافق على خطة انسحابها من لبنان عام 2000.
لا نفهم سبب إصرار أركان السلطة على تجاهل إتفاقية الهدنة. يقول البعض أن اتفاقية الهدنة تشكّل تطبيعا مع العدو. هذا الكلام غير صحيح. هو كلام سياسي فقط. وهم يعلمون أنه اتفاق أمني كان قائما وبنجاح حتى عام 1967. هذا الإتفاق في المفهوم القانوني والعملي، يحدد بوضوح، أن العلاقة بين الجانبين، تتم في إطار محدد، ووفقا لآلية معمول بها أصلا، في طريقة تعاطي لبنان مع إسرائيل، كعضوين في الأمم المتحدة، وكل المنظمات المتخصصة، وغيرها من المنظمات الدولية. فإذا كانت السلطة ترى إتفاقية الهدنة التي هي إتفاقية أمنية لا أكثر، من أنها تطبيع مع إسرائيل، فحري بها أن تنسحب من كل المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، التي ساهم ألأولون في بلدنا بإنشائها.
إسرائيل وحدها تريد إلغاء إتفاقية الهدنة. ومن يؤيد إلغاء إتفاقية الهدنة أو عدم العمل بها، من الأحزاب ورجال السياسة، يخدم عفوا أو طوعا، مصلحة إسرائيل فقط. إسرائيل تريد إزالة القواعد القانونية في العلاقات مع لبنان كي تطغى الآلية السياسية حيث يكون للقوّة العامل التقريري. رجالات السلطة والأحزاب تساعدها وتخدمها في ذلك. والإتفاق االتفاوضي هو نموذج واضح. قد يكون الرئيس بري قويا الآن، لكنه سيغيب عاجلا أم آجلا، وسيستفيق أهل الجنوب ولبنان، على الخسارة الكبيرة التي أورثها لهم، كما استفاقوا متأخرين، على ما جلبه لهم إتفاق القاهرة من آلام ومآسٍ. الخط الأزرق جعل النقطة البرية لترسيم الحدود البحرية بعيدة لجهة الداخل اللبناني، عن النقطة البرية التي يحددها الحدود المعترف بها دوليا. وقد شرح هذا الأمر مرارا الدكتور عصام خليفة. وأكدت قيادة الجيش عليه أيضا. هذا الأمر يحرم لبنان عدة ألاف من الكيلومترات المربعة في البحر وكل ذلك لمصلحة إسرائيل.
قد يقع خلاف قانوني بين الجانبين بهذا الشأن. لكن آلية ميثاق الأمم المتحدة واضحة بشأن كيفية تسوية سلمية لمثل هذا الإختلاف القانوني.

2- كرّس الإطار التفاوضي الذي قدّمه الرئيس بري، الصمت عن اتفاقية الهدنة من خلال إضافة عنصر آخر لهذا الإطار، وذلك بإضافة تفاهم نيسان لعام 1996، كشرط للإتفاق. وتفاهم نيسان ليس اتفاقا بين لبنان وإسرائيل. هو تفاهم أمني بين قوى الأمر الواقع (حزب الله – المقاومة) وإسرائيل، تمّ بعد مجزرة قانا ذلك العام. كان الغرض منه هو تحييد الأهداف المدنية لدى الجانبين، عن الأعمال العسكرية. ولطالما شرحنا أن هذا التفاهم يعني أنه يجب أن يوافق حزب الله (المقاومة) على الإتفاق، كي تدرج أعمال التنقيب عن الغاز، واستخراجه، في إطار البنى المدنية، التي يجب على الحزب عدم دمجها في أهدافه العسكرية ضد إسرائيل.
نحن لا نريد أن نستطرد في الأبعاد السياسية للإطار التفاوضي. لكننا نعتبر أنه ينتهك موجبات رئيس الجمهورية وقسمه لليمين.
أ- كيف يمكن لرئيس الجمهورية (القوي) أن يتنازل عن صلاحياته الدستورية ألمنصوص عنها في المادة 52 من الدستور بشأن إقامة التفاوض، وتركها إلى رئيس المجلس النيابي؟
ب- قبول الرئيس بالإطار التفاوضي رغم ما يبرز من إعتراضات من أصحاب المعرفة والجيش، ينتهك قسمه لليمين المنصوص عليه في المادة 50 من الدستور، لأنه لا يحترم سلامة الأراضي اللبنانية. وينتهك أيضا مقدمة الدستور.
قمنا في الخامس من حزيران من هذا العام، بعد الإنتخابات النيابية، بإرسال مشروع قرار معجل مكرر، إلى النواب التغييريين في المجلس النيابي، بغية وقف مهزلة الجدل السياسي بشأن ترسيم الحدود البحرية، ووضعها في نصابها القانوني، الذي يعزز من موقف لبنان إقليميّا ودوليا، ويخرجه من دائرة التجاذبات السياسية المحلية، والإقليمية، والدولية.
نص المشروع على ما يلي:
[إنّ مجلس النوّاب اللّبناني،
وعطفا على المادّة الأولى من الدّستور اللّبناني، التي تنص على أنّ لبنان وطن سيّد حرّ ومستقلّ، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدّستور والمعترف بها دوليّا،
وحيث أنّ لبنان عضو مؤسّس في منظّمة الأمم المتّحدة، ويتبنّى مبادئها، وفقاً للمادّة الثّانية من الدّستور،
وحيث أنّ موضوع إستخراج الغاز والنّفط في حقل كاريش، ما زال عالقا بين لبنان وإسرائيل، ولم يتمّ التّوصّل إلى حلّ متّفق عليه بشأنه،
وحيث أنّ استخراج النّفط والغاز في هذا الحقل، وكلّ أنشطة التّنقيب وغيرها، قبل التّوصّل إلى اتّفاق بين الجانبين، يشكّل سبباً لنزاع محتمل بين لبنان وإسرائيل، قد يتطوّر إلى نزاع مسلّح يهدّد الأمن والسّلم الدّوليّين،

وحيث أنّ الخبراء اللّبنانيين، بما في ذلك خبراء الجيش اللّبناني، يؤكّدون أن هذا الحقل يقع ضمن الأراضي الوطنيّة اللّبنانيّة،وفقا للحدود المعترف بها دوليّا منذ عام 1923،
وحيث أنّ لبنان وإسرائيل والأمم المتّحدة ملزمون بإتّفاقيّة الهدنة لعام 1949، عملا بالمادة 40 من ميثاق الأمم المتّحدة، وتمّ تحديد الحدود المعترف بها بين لبنان وإسرائيل وفقا لهذا الإتّفاق،
وعطفا على المادّة الأولى من ميثاق الأمم المتّحدة، التي تنصّ على موجب المنظّمة إتّخاذ التّدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدّد السّلم والأمن الدّوليّين وإزالتها،
وعطفا على المادّة 33، الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتّحدة، التي تنصّ على «موجب أطراف أيّ نزاع من شأن استمراره، أن يعرّض الأمن والسّلم الدّوليّين للخطر، أن يلتمسوا حلّه بالوسائل السّلميّة»،

وعطفا على المادّة 36، الفقرة الثّالثة من ميثاق الأمم المتّحدة، التي تنصّ على أن يقوم مجلس الأمن بتقديم توصياته لتسوية سلميّة، وأن يراعي في المنازعات القانونيّة، أنّه يجب أن يُعرض النّزاع على محكمة العدل الدّوليّة وفقا لأحكام النّظام الأساسي لهذه المحكمة،
وحيث أنّ النّظام الأساسي للمحكمة، أكّد في المادّتين 26 و36، على أن صلاحيّة المحكمة تشمل جميع القضايا التي يعرضها عليها المتقاضون، وكذلك جميع المسائل المنصوص عنها في ميثاق الأمم المتّحدة، أو في المعاهدات والإتّفاقات المعمول بها،
وعطفا على المادة 96 من ميثاق الأمم المتّحدة، التي تنصّ على حقّ الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة ومجلس الأمن، الطّلب إلى محكمة العدل الدّوليّة إفتاءه بأيّة مسألة قانونيّة،
لذلك،
يطلب من الحكومة اللّبنانيّة أن تقوم فوراّ بتقديم شكوى أمام مجلس الأمن، للإلتزام بما تنصّ عليه إتفاقية الهدنة لعام 1949، لا سيّما أن الأمم المتّحدة عضو في هذه الإتّفاقيّة،
واستطرادا، دعوة مجلس الأمن إلى طلب رأي محكمة العدل الدّوليّة حول تحديد الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، وفقاً لاتّفاقيّة الهدنة، أو إحالة النّزاع إلى محكمة قانون البحار، لإيجاد تسوية سلميّة وفقاً للقانون الدّولي].
قال لنا بعض أعضاء الهيئة الإغترابية المتابعة لموضوع إنتخاب رئيس للجمهورية، أنه تم في حينه التقدم بهذا المشروع فنال 16 صوتا فقط. لم أسمع في حينه، من أيّة جهة، أنّ المجلس ناقش هذا الموضوع.
أشار الدكتور خليفة في بيان صدر مؤخرا، إلى أن تصرّف المسؤولين بشان ترسيم الحدود البحرية، يخضع لنص المادتين 277 و302 من قانون العقوبات اللبناني. ونحن نضيف المادة 60 من الدستور التي تنص على ما يلي:
«لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى.
أما التبعة فيما يختص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامة. ولا يمكن إتهامه بسبب هذه الجرائم أو لعلتي خرق الدستور والخيانة العظمى إلا من قبل مجلس النواب، بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثي مجموع أعضائه، ويحاكم أمام المجلس الأعلى المنصوص عليه في المادة الثمانين، ويعهد في وظيفة النيابة العامة لدى المجلس الأعلى، إلى قاض تعينه المحكمة العليا المؤلفة من جميع غرفها».
نحن نهيب بالسادة النواب وخاصة السياديين، إعلان نيتهم تقديم مشروع قرار بهذا الصدد في المجلس النيابي. كما نهيب بالحركات الأهلية الإعداد لمضبطة إتهامات وفقا لقانون العقوبات، لتقديمها ضد كل وزير، ونائب، ومسؤول ساهم ويساهم في هذا الإتفاق. المهم أن نبدأ الملاحقة القانونية. سيأتي الوقت الذي ينتهي فيه حكم سلاح الثنائي وأعوانهم في لبنان. أحرار لبنان من كل الطوائف، وخاصة بين أهلنا من الشيعة، مؤتمنون على كل شبر من أراضي لبنان ومياهه.
علينا أن نبدأ المعطى القانوني كي نقنع الأمم المتحدة أن من يقوم بإعداد اتفاق سري مشابه لاتفاق القاهرة لعام 1969 الذي دمر لبنان وما زال، سيكون محور ملاحقة وغير مقبول من اللبنانيين.
وندعو القوى الوطنية عامة إلى مراسلة امين عام الأمم المتحدة والسفارات الصديقة، لرفض أي اتفاق تتقدم به هذا السلطة التي تخضع لهيمنة حزب إيران.
كما ندعو المغتربين للتواصل مع ممثليهم في المجالس النيابية في البلدان المنتشرين فيها، لإعلان رفضهم أمام السلطات التنفيذية لمثل هذا الإتفاق. وشرح أيّة جريمة يرتكبها هؤلاء.

ربي اشهد أنني بلّغت.