IMLebanon

لا عودة إلى الناقورة… قبل التفاهم على الخطوط العريضة

 

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يعلن بالصوت والصورة أنّ «الجواب الشافي بالذهاب إلى الناقورة» بعد تأكيده على إتفاق الإطار الذي أعلنه هو أيضاً بنفسه في الأول من تشرين الأول 2020 والذي يتضّمن وجود مسارين لترسيم الحدود؛ أحدهما لترسيم الحدود البرّية استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701 لعام 2006، وثانيهما لترسيم الحدود البحرية، لكنه في المقابل، لا ينصّ على أي ربط ملزم بين المسارين، البرّي والبحري، ولا يفرض إطاراً زمنياً للمفاوضات، ولا يشير إلى أي مرجعية لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية، ولا يطرح أي بدائل في حال فشلت المفاوضات بين الطرفين، كالإتفاق على التوجه إلى التحكيم الدولي.

 

بالفعل، خاض لبنان وإسرائيل خمس جولات من المفاوضات غير المباشرة بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة، سجلت آخرها في الرابع من آذار 2021 بعد خضوعها لخلاف عميق بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي فرضه تبنّي الوفد العسكري اللبناني الذي كان يرأسه العميد بسام ياسين، وعضويّة العقيد مازن بصبوص والخبير نجيب مسيحي وعضو هيئة قطاع البترول وسام شباط، الخطّ 29 الذي يزيد من المساحة المتنازع عليها حوالى 1430 كلم² بعدما كانت 860 كلم² فقط، أي عند الخطّ 23.

 

غير أنّ هذا الطرح أثار خلافاً داخلياً مع أكثر من طرف سياسي، بينهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي سارع فور انتهاء الجولة الخامسة من المفاوضات إلى استقبال الوفد المفاوض، وقد نقل عنه يومها في بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية أن «المفاوضات لا يجب أن تكون مرتبطة بشروط مسبقة، بل يكون القانون الدولي هو الأساس لضمان استمرارها».

 

هوكشتاين هو الخيار الوحيد المُتاح راهناً على الشطرنج التفاوضية

 

 

بالفعل، أعلن قائد الجيش العماد جوزيف عون في 3 آذار الماضي «إنجاز مهمّته التقنية والقانونية في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل»، قائلاً: «بذلك يكون دورنا انتهى عند هذا الحدّ»، ومؤكّداً أنّ «المؤسسة العسكرية مع أيّ قرار تتّخذه السلطة السياسية في موضوع الترسيم».

 

أتى هذا الموقف بعد أقلّ من خمسة أشهر من إحالة العميد بسام ياسين إلى التقاعد من دون تعيين ضابط أو شخص آخر مكانه، وبعد قرار ضمنيّ من الرئيس عون بحصر التفاوض برئاسة الجمهورية بالتنسيق مع الرئاستين الثانية والثالثة، وبعد إعلان رئيس الجمهورية في 12 شباط 2022 أنّ حدود لبنان البحرية هي الخط 23، وأنّ البعض طرح الخط 29 من دون حجج لبرهنته وأنّ الخط 29 هو خطّ تفاوض.

 

ولكن مع عودة الحديث عن احتمال إحياء المفاوضات غير المباشرة في الناقورة برعاية أممية، يطرح السؤال حول تركيبة الوفد اللبناني خصوصاً وأنّ الوفد العسكري-التقني قد أعيد إلى الصفوف الخلفية، ولا يبدو أنّ هناك معطيات بإمكان إعادة تفعيل عمله لجولة جديدة من المفاوضات، فضلاً عن الرغبة التي أبداها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في تغيير طبيعة الوفد المفاوض، وهو طالب في نيسان 2021 بـ»تشكيل لبنان سريعاً وفد تفاوض جديداً برئاسة ممثّل عن رئيس الجمهورية وعضوية ممثّلين عن رئيس الحكومة ووزارات الخارجية والأشغال والطاقة والجيش لاستكمال التفاوض مع إسرائيل، ومراجعة التفاوض مع قبرص، وبدء التفاوض مع سوريا، وفق معيار واحد وطريقة واحدة في ترسيم الحدود».

 

في الواقع، حين يعود الرئيس بري إلى واجهة ملف ترسيم الحدود من باب بثّ الروح في إتفاق الإطار، بعد مرحلة كان فيها رئيس الجمهورية هو اللاعب الأبرز ولو أنّه حرص على التنسيق مع بقية الرؤساء، فهذا يعني أنّ رئيس مجلس النواب غير مرتاح كثيراً للمفاوضات العابرة للحدود التي يقودها هوكشتاين، مع العلم أنّ بعض المعنيين يؤكدون أنّ الموفد الأميركي هو الخيار الوحيد المتاح راهناً على الشطرنج التفاوضية، وبالتالي إنّ العودة إلى الناقورة لن تتم إلا في حال تقاربت وجهات النظر بين لبنان وإسرائيل أو حصل تفاهم على الخطوط العريضة، لتُجيّر المهمة بعد ذلك إلى وفد تقني يتولى اجراء التوضيحات إذا كانت مطلوبة، والترسيم التقني وتحديد الإحداثيات وبقية الأمور التقنية – التفصيلية، قبل عرض اتفاق الترسيم على مجلس الوزراء.

 

أمّا غير ذلك، فالعودة إلى المفاوضات غير المباشرة غير مطروحة في الوقت الراهن، حيث تبقى صلاحية تشكيل الوفد لرئيس الجمهورية وفق المادة 52 من الدستور حيث يقول بعض المتابعين إنّ كل الاحتمالات واردة في تركيبة الوفد التقني، من خلال تطعيمه أو الإبقاء عليه كما هو.