«الإسرائيلي» لا يُمكنه العمل في حقل «كاريش» الواقع في منطقة النزاع من دون موافقة لبنان
انطلقت «حكومة معاً للإنقاذ» في جلستها الوزارية الأولى بهدف تحقيق الإصلاحات المطلوبة سريعاً وأبرزها قطاع الكهرباء والعمل على تأمين 14 ساعة تغذية يومياً، فضلاً عن الإهتمام بمعالجة مشاكل المواطنين اليومية مثل تأمين المحروقات والدواء. كما جرى تشكيل اللجنة المشتركة بين وزارتي الداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين للتحضير للإنتخابات النيابية في موعدها، أكان في أيّار، أو في آذار المقبل والذي يتطلّب تدخّلاً تشريعيا لتعديل بعض المهل. كما شهدت وزارة الأشغال والنقل اجتماعاً للبحث في ملف ترسيم الحدود، ما يجعل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ليست فقط حكومة إصلاحات وإنتخابات، على ما يجد المراقبون السياسيون، إنّما «حكومة ترسيم الحدود البحريّة»، وقد تشكّلت في هذه المرحلة بالذات جرّاء بعض الضغوطات والتسويات الخارجية بين فرنسا والولايات المتحدة وإيران لكي تتوصّل الى إقرار إتفاقية الترسيم مع العدو الإسرائيلي.
أوساط ديبلوماسية عليمة تقول بأنّ العدو يضغط اليوم لاستئناف المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية مع لبنان كونه لا يُمكنه العمل في حقل «كاريش» من دون مواصلة التفاوض وموافقة لبنان على هذا الأمر، حتى وإن كانت شركة «هاليبرتون» التي دخلت على خط النفط البحري «أميركية»، ومدعومة من الولايات المتحدة التي تؤدّي دور الوسيط في هذه المفاوضات.
ولفتت الاوساط الى أنّه كان يجب على حكومة ميقاتي أن تضع تعديل المرسوم 6433 من بين البنود المدرجة على جدول أعمال جلستها الوزارية الأولى التي عقدتها بعد ظهر الأربعاء، كون الأمر طارئاً، وقد جرى تأجيله أشهراً عدّة، لأنّ رئيس الحكومة السابق حسّان دياب رفض عقد جلسة وزارية لتعديله، رغم أن حكومته اتخذت 287 مرسوماً جوّالاً، وكان يُمكنه بالتالي تمريره لضمان حقوق لبنان البحرية في الأمم المتحدة، غير أنّ الحكومة الجديدة لم تفعل كون ميقاتي يُفضّل دراسة الملف بتعمّق وعدم التسرّع في تعديل المرسوم 6433 وإيداعه لدى الأمم المتحدة. علماً بأنّ المرسوم المذكور أقرّ في العام 2011، يوم كان ميقاتي نفسه يرأس الحكومة آنذاك، وقد اعتمد الخط 23 كحدود لبنان البحرية وجرى الذهاب به الى الأمم المتحدة، رغم أنّه خاطىء تقنياً وقانونياً، ولهذا لا يودّ ميقاتي اليوم تكرار الخطأ نفسه، بل دراسة مسألة التعديل بتأنّ، من قبل جميع الجهات المعنية، ومن ثمّ اعتماد التعديل المناسب وإرساله الى الأمم المتحدة.
وأوضحت الاوساط بأنّ الوفد العسكري المفاوِض يملك ملفاً كاملاً متكاملاً يتضمّن كلّ الأوراق والوثائق القانونية التي أودت الى اعتماد الخط 29 بدلاً من الخط 23، والذي هو خط تفاوض قانوني بطبيعة الحال، وليس الخط النهائي للحدود البحريّة. ويعلم تماماً بأنّ النقطة «ب1» هي نقطة استراتيجية عسكريّة لا يُمكنه التنازل عنها، على ما يُطالب «الإسرائيلي»، كونها تكشف الساحل الفلسطيني المحتّل برمّته، بما فيه نقطة «روش هانيكرا» التي يُعوّل عليها لزيادة عدد السيّاح الأجانب. كذلك فإنّ المنطقة البحرية اللبنانية تضمّ الى جانب تريليونات الغاز والنفط المتوقّعة، ثروة سمكيّة وينابيع مياه عذبة، وهي ثروة بحريّة بحدّ ذاتها.
من هنا، فإنّ لبنان يذهب الى التفاوض من موقع قوّة، على ما شدّدت الأوساط نفسها، ويرفض التنازل عن أي كيلومتر من حقوقه بحراً، كما عن أي شبر من أراضيه المحتلّة برّاً، سيما وأنّ ملف الترسيم لا يتعلّق فقط بالثروة النفطية، إنّما أيضاً بالاستراتيجية الدوليّة. غير أنّ جميع الدول المعنية بالحدود البحرية، تتعامل مع هذا الملف، مع الأسف، من الناحية السياسية ولتحقيق مصالحها، وتربطه بملفات أخرى مثل الإتفاق النووي الإيراني وسواه، ولهذا فإنّ البازار السياسي يعرقل مسار هذا الملف، على ما أضافت الاوساط، ويجعل الثروة البحرية التي يمتلكها لبنان عرضة للخطر، ما يُحتّم على حكومة ميقاتي متابعته كما يجب، وبحسب ما تنصّ عليه القوانين الدولية وقانون البحار من أجل حفظ حقوق لبنان.
وبرأي الاوساط، أنّه بعد تعديل المرسوم 6433 وإيداعه لدى الأمم المتحدة، الأمر الذي يجب الا تتأخّر الحكومة في القيام به، عليها تعديل العقد الموقّع بين هيئة إدارة البترول و»كونسورتيوم» الشركات الدولية النفطية الذي ترأسه «توتال» الفرنسية، ويضمّ «إيني» الإيطالية، و»نوفاتيك» الروسيّة، وذلك لوقف البند الذي يتيح لتحالف الشركات اتخاذ القرارات وفق إرادته من دون موافقة الهيئة ووزارة الطاقة اللبنانية. فالبند الذي يُتيح للشركات تعديل ما تريده في العقد جعلها تغيّر موقفها من بدء العمل في البلوكين 4 و9 في الوقت نفسه، ومن ثمّ في تأجيل بدء التنقيب في البلوك 9 حتى العام المقبل، وهذا الأمر لا يجوز، إذ على لبنان أن يكون شريكاً في القرارات التي تتخذها ولا تخدم سوى مصالحها، سيما وأنّه مهتم لبدء «توتال» عملها في البلوك 9، وليس من مصلحته التأجيل وفقاً لما ترتأيه وتراه مناسباً لها
وأشارت الاوساط الى أنّ الولايات المتحدة مستعجلة لاستئناف المفاوضات لاعتبارات عدّة، كذلك العدو الاسرائيلي، ولهذا تحاول أميركا الضغط على لبنان كونها تعتقد أنّ ما يعانيه من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، قد يُرغمه على التنازل عن جزء من حقوقه البحرية مثل الموافقة على الحصول على حقل قانا، مقابل ترك حقل «كاريش» لـ «الاسرائيلي»، غير أنّ أي تسوية من هذا القبيل لا يمكن أن تحصل، ما دام الوفد العسكري المفاوض يمتلك أوراق قوّة لا تستطيع أميركا وحليفتها في المنطقة دحضها.
أما الخط 310 (أو الخط 1 المستحدث) الذي يهدّد العدو الإسرائيلي باستخدامه أو بالتفاوض بشأنه في حال أصرّ الوفد اللبناني على الخط 29، فتشير الأوساط عينها الى أنّه خط وهمي لا أسس قانونية له، ما يجعل «الاسرائيلي» عاجز عن طرحه على طاولة المفاوضات، ولهذا لجأ الى الحديث عنه في وسائل الاعلام فقط، كردّة فعل غير منطقية وغير قانونية على اعتماد الوفد اللبناني على الخط 29 كأساس للتفاوض.
وأكّدت الاوساط أنّ ما ينقص لبنان حالياً هو الاستراتيجية الاقتصادية للحصول على الأموال اللازمة للنهوض من الانهيار، وليس بإمكانه تأمينها الا من خلال موضوع ترسيم الحدود، ولهذا فهو لا يعارض العودة الى المفاوضات، بل على العكس تماماً، فهو جاهز للتفاوض إذ بإمكانه فرض حقّه القانوني، وإن حاول الوسيط والطرف الثاني المُفاوِض انتزاعه منه بطرق وأساليب غير محقّة. فاستمرار تضييق الخناق الاقتصادي والنقدي على عنق لبنان، هو أحد هذه الأساليب، غير أنّه باستطاعته الصبر قليلاً وعدم الرضوخ واتخاذ كلّ التدابير التي تحمي حقوقه في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وإذا ما استعجلت الولايات المتحدة العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة، على حكومة ميقاتي، على ما ختمت الاوساط، استعجال تعديل المرسوم وإيداعه لدى الأمم المتحدة لتعزيز موقف لبنان والوفد العسكري المفاوض، وإن كان موقفه آحادي الجانب.