IMLebanon

هوكشتاين عالق بين نارين سياسة – دستورية لبنانية وإسرائيلية!

 

 

اما وقد بلغ السباق ذروته ما بين المِهل الدستورية والسياسية التي تتحكّم بالتفاهم الخاص بترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. وإن صدقت المعلومات التي قالت إنّ الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين يسعى إلى إنجازه قبل الانتخابات التشريعية الإسرائيلية مطلع الشهر المقبل، فإنّه سيستحيل عليه إتمام المهمة. واللافت انّ العقبات هي نفسها التي يواجهها في لبنان واسرائيل. وعليه فهل تجوز المقارنة؟

عندما تسارعت الخطى الاميركية لتضييق الخلافات بين لبنان واسرائيل والتي قادها هوكشتاين، تبين انّ مهمّته لن تكون سهلة على الإطلاق. فاجتماعات نيويورك التي دعا اليها على هامش اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها السابعة والسبعين، كشفت عن كثير من العقبات السياسية والدستورية في لبنان واسرائيل. وتحوّلت الامم المتحدة «طرفاً رابعاً» في المفاوضات غير المباشرة بين البلدين لتلعب دورها إلى جانب الوسيط الاميركي المسهّل، وخصوصاً انّه طلب منها تقديم الضمانات الأممية، إن ظهرت الحاجة إلى تعديل الحدود الدولية البحرية بينهما، بما تفرضه هذه الخطوة من تعديلات يجب ايداعها لدى الامم المتحدة، بالإضافة الى ضرورة تعديل مهماتها بما يتجاوز ما قال به القرار 1701 وملحقاته ذات الصلة، لتتلاءم والدور الجديد الذي ستلعبه في المنطقة، وخصوصاً إن كُلفت دور «إدارة منطقة بحرية عازلة».

وإلى هذه المعطيات، فقد ظهر واضحاً انّ الوقت الفاصل عن الاستحقاقات الكبرى التي تعيشها الدولتان المعنيتان بعملية الترسيم بات ضيّقاً الى اقصى الحدود، بالنظر الى ما تواجهه من عقبات دستورية وسياسية لا يمكن التلاعب بها، لما لها من انعكاسات على أي قرار يمكن اتخاذه لترجمة اي اتفاق او تفاهم وطريقة التعاطي معه في الشكل والمضمون. وهو ما يمكن الإشارة اليه على مستوى الدولتين بالآتي من الملاحظات:

ـ على المستوى اللبناني، لا يمكن تجاهل حجم النزاع الذي يعيشه لبنان قبل اسابيع قليلة على انتهاء الولاية الرئاسية نهاية الشهر الجاري، وهو ما يبرر سعي المنظومة السياسية إلى تجاهل طرحه على مجلس النواب، لأنّه لا يُعتبر «اتفاقية مشتركة» ولا «معاهدة ثنائية» مع دولة عدوة، وهو ما يستدعي اخراج ما يجري من الآلية الدستورية التي قالت بها المادة 52 من الدستور، وما حدّدته من دور للحكومة ومجلس النواب في حال اللجوء اليها. وإلى ذلك فقد برزت عقدة كون الحكومة القائمة فيه مصابة بعطب دستوري وقانوني كبير، لمجرد أنّها حكومة تصريف أعمال، في ظلّ فقدان الجهة او المؤسسة الدستورية أو الحكومية التي يمكنها ان تحسم الخلاف القائم حول تحديد دورها ومهماتها إن لم يُنتخب الرئيس الجديد للجمهورية قبل نهاية الولاية الدستورية.

وتأسيساً على ذلك، فقد تفاقم الخلاف إلى ان بلغ الذروة بين نظريتين، واحدة تقول انّه لا يجوز ان تمارس مثل هذه الحكومة صلاحيات الرئيس، أياً كانت الظروف التي تحكم المرحلة المقبلة إن وقع الشغور الرئاسي، وأن ما يمكن ان تشهده الحياة الحكومية من مناكفات قد يعطّلها كلياً لتفتقد الصفة التي تسمح لها بإدارة شؤون البلاد والعباد. وثانية تقول، انّ قيامها بتصريف الاعمال لا يحول دون القيام بدور رئيس الجمهورية إن بات مفقوداً بدءاً من اليوم الاول من الشهر المقبل، نتيجة الفشل في انتخاب خلفه.

وثمة من يقول من بين الخبراء القانونيين، انّ صلاحيات هذه الحكومة يمكن ان تتوسع لتستعيد كامل مواصفاتها الدستورية التي افتقدتها منذ نهاية ولاية مجلس نيابي سابق منحها الثقة التي انتهت مدة صلاحيتها وفاعليتها الدستورية منذ الثاني والعشرين من أيار الماضي، وخصوصاً إن اضيفت إلى صلاحياتها الحالية تلك التي كان يقوم بها رئيس الجمهورية، ما عدا تلك اللصيقة التي لا يمكن ان ينوب عنه أحد في ممارستها، والتي لا تحتاج الى اكثريتها في فترة الشغور مهما طالت الى ان يُنتخب الرئيس الخلف.

ـ على المستوى الإسرائيلي، فإنّ المعارك الطاحنة التي تخوضها الحكومة في مواجهة اشرس معارضة يمكن ان تواجه مثيلاتها لمجرد انّ قائدها بنيامين نتانياهو، فإنّها تعاني قصوراً دستورياً يضيف عقبات إضافية، بالنظر الى وجود عدد من الوزراء لا يسمح لها بالبت مباشرة بأي تفاهم او اتفاق يمكن ان يتمّ التوصل اليه في شأن الحدود البحرية في المهلة الفاصلة عن نهاية صلاحياتها مطلع الشهر المقبل، لمجرد إجراء الإنتخابات التشريعية لانتخاب الكنيست الجديد، حتى وإن ضَمَن قادتها الفوز فيها مرة أخرى.
وما أضاف إلى هذه العوائق الدستورية يكمن بتحول ملف مفاوضات الترسيم بنداً ثابتاً على برامج المرشحين لهذه الانتخابات. وتوزعوا بين مرحّب بالاتفاق، بما يضمنه من مكاسب أمنية واقتصادية، كما عبّرت عنه الحكومة الاسرائيلية في بداية المواجهة، قبل ان تنهار، إلى درجة أدّت الى فقدان وحدتها وتضامنها، امام ضغوط المعارضة التي اتهمتها بالانصياع الى شروط «حزب الله» والحكومة اللبنانية، إلى درجة التنازل عن حقوق ثابتة لا نقاش فيها، على الرغم من حجم التنازلات اللبنانية التي نالها الوسيط الأميركي.

وما زاد في الطين بلّة، خروج ثلاثة وزراء على الأقل من صفوف رئيسها، ومن بينهم شريكه الأقرب وزير الدفاع بني غانتس، يطالبون برفض الشروط اللبنانية أياً كان الثمن، ولو بلغت العملية تهديداً مباشراً بإمكان وقوع أعمال عسكرية. ولذلك، فقد اضافت هذه المواقف المفاجئة دعماً لم يكن ينتظره المعارضون الذين كانوا يطالبون بطرح الاتفاق اياً كان شكله ومضمونه على الكنيست والمحكمة العليا، وفق برنامج لا ينتهي سوى قبل ثلاثة او اربعة ايام على موعد الانتخابات المقبلة، ودعوة المحكمة العليا إلى النظر فيه في 27 الجاري، وهو ما يؤدي حتماً الى استحالة إنجاز الإتفاق قبل الاستحقاق التشريعي.

وإلى مجموعة المعطيات هذه، وما توحي به من مؤشرات، فقد وجد الوسيط الأميركي نفسه واقعاً بين نارين، وإن كانت النيران الاسرائيلية اكثر ايلاماً وتأثيراً على سير المفاوضات من اللبنانية منها، فقد بات عليه ان يبحث مجدداً عن آلية لتضييق الخلافات الجديدة، وسط مصاعب جمّة ابرزها انّ لبنان قد قدّم أقصى ما يمكن ان يقدّمه، وهو لن يكون له أي رأي في الشروط الاسرائيلية الجديدة، ولن يتعاطى معها إلّا من منظار «الوسيط المسهّل» الذي عبّر عن تعاطفه وتفهمّه للمواقف اللبنانية، في انتظار الصيغة الجديدة المنتظرة منه. فهل يتراجع عن هذين التعاطف والدعم؟