Site icon IMLebanon

ارتهان لبنان سهّل التفريط في الحقوق والثروة!

 

 

عندما يصبح ارتهان البلد لمحور خارجي من عاديات الأمور، عند الفريق السياسي المفترض أنه صاحب القرار، وعندما تغطي الجهات المنتخبة قانوناً اختطاف الدولة بالسلاح، وتغول دويلة «حزب الله»، فيتم غرس الرأس بالرمال، والتزام الصمت حيال التمادي في التلاعب بقرار السلم والحرب، لحظة إرسال المُسيَّرة «حسان» لتخرق الحدود، مع كل ما يمكن أن ينجم عن ذلك من مخاطر على المصير الوطني وحياة اللبنانيين، يكون مخطط تلاشي السلطة وتجويف المؤسسات قد أطبق على لبنان، والقرار الوطني مغيّب عن مسرح الأحداث، فيمعن «حزب الله» في تجريد السلطة من دورها، غير عابئ بمتسلطين صغار!

في هذا التوقيت، اختار الرئيس ميشال عون جريدة «الأخبار» المقربة من «حزب الله»، ليعلن أن الخط 23 هو الحدود الجنوبية للبنان (…) ويضيف أن القصر استعاد ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، في تخلٍّ لافت عن الخبرة والمعرفة العلمية، وكل ذلك في إشارة لا تخفى على أحد، من أن الموقف الذي أبلغته بعبدا إلى الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين هو المعتمد، مع الموافقة على المعادلة الأميركية الجديدة؛ خط متعرج يضمن «الحقوق والحقول»، في تجاوزٍ لـ«اتفاق الإطار» الذي يحمل توقيع هوكشتاين والرئيس بري!

ربما أراد عون على مسافة أشهر قليلة من نهاية عهد الخيبة والانحطاط ودمار لبنان، أن يسجل «انتصاراً» شخصياً في ملف التفاوض لترسيم الحدود، في زمن انحسار دور الرئاسة ووهجها، نتيجة أدائها الفئوي الباهت، فينعكس الأمر إيجاباً على تياره البرتقالي. لذلك قفز فوق الرسالة التي تم إرسالها إلى الأمم المتحدة حول الخط 29 التي لم ترفق لا بتوقيع تعديل المرسوم رقم 6433، المتعلق بحدود المنطقة الاقتصادية الخاصة جنوباً، ولا بطلب سحب الرسالة حول الخط 23، وأدخل القصر ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، في «بازار» التفاوض مع الأميركيين، واعتبار الأمر بمثابة الفرصة التي ينبغي استغلالها، من أجل تسهيل رفع العقوبات الأميركية عن صهره جبران باسيل!

ويبدو أن قناعة الرئاسة راسخة بأن هذا التنازل الذي يحمل تخلياً عن ثروات غازية ونفطية تعود للبنانيين، يمكن أن يفتح نافذة الرئاسة أمام صهر الرئيس لوصوله إلى بعبدا! ومعروف أن عون عمل منذ انتخابه من أجل هذا الهدف، هذا مع العلم بأن العقوبات الأميركية ليست وحدها ما يعيق مخطط التوريث! والأمر الأكيد – وفق كل الخبراء – أن الخط المتعرج لتقاسم ما هو تحت الماء، يلبي المصالح الإسرائيلية؛ حيث تستعجل تل أبيب تلزيم البلوك رقم 72 بعدما عطل المفاوض اللبناني ذلك. كما يخدم المصالح الأميركية التي تولي أهمية لتقديم «رشوة» لإسرائيل من حساب اللبنانيين، على حساب تسارع العد العكسي للاتفاق النووي!

لقد ردد عون أنه صاحب القرار الأخير في موضوع ترسيم الحدود البحرية، والقصر هو مرجع التفاوض بكل ما يتعلق بهذا الملف. والأمر العجيب أن مسألة بهذه الخطورة، بدأت مع إعلان الرئيس بري صيف عام 2020، أنه بتّ مع الجانب الأميركي «اتفاق الإطار»، إلى ما صدر عن بعبدا، لم يجد المعنيون من ضرورة لطرح الأمر على السلطة الاشتراعية، ولا على السلطة التنفيذية! رغم أن الأمر أكبر بكثير من الصلاحية الشخصية لأي مسؤول، أياً كانت رتبته. وعليه، منذ امتناع عون عن توقيع تعديل المرسوم 6433، تُرك الجيش وحيداً في واجهة التفاوض، متمسكاً بالخط 29 الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً!

الملاحظ أن رئيس الجمهورية لم يكتفِ بقرار التنصل من الخط 29، وهو التاريخي والقانوني والشرعي، فقد أعلن دحض الدراسات التي أُجريت لاعتماده، وقال إنه جرى اعتماده للتفاوض ليس إلّا! بينما الدراسات التي تم اعتمادها هي اتفاقية «بوليه – نيوكومب» لعام 1923 العائدة لترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين، واتفاقية الهدنة لعام 1949 بين لبنان وإسرائيل، واتفاق الخط الأزرق مع إسرائيل في عام 2000، إلى دراسات الترسيم البريطانية في عام 2011، ليبدو الموقف الرئاسي في موقع توريط الوفد العسكري المفاوض، ومعه قيادة الجيش وقائده الذي أبلغ الموفد الأميركي أن الجيش يلتزم ما تعلنه السلطة السياسية.

لكن الموقف الرئاسي لم يمر مرور الكرام، فكشف رئيس الوفد العسكري العميد الطيار بسام ياسين عن موافقات سابقة من جانب عون على ملف التفاوض، وحذّر من خطورة تراجع لبنان عن الخط 29؛ لأن لبنان سيخسر حقه الكامل في حقل «قانا»، ويُمنع من المطالبة باقتسام حقل «كاريش»؛ بينما لفت الانتباه موقف رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي طالب بـ«يقظة ضمير تعيد الالتزام بالخط 29 كحدود للمنطقة الاقتصادية الخالصة»، ومؤكداً أن «التاريخ لن يرحم»! أما الجنرال المتقاعد ميشال معيكي فرأى أن «التنازل عن مترٍ من بحرنا، خيانة عظمى؛ ومن يدافع عنه يكون خائناً مثله»!

وحده جبران باسيل الذي قيل مرة أنه التقى الموفد هوكشتاين في المطار، وثانية في الدوحة، وثالثة في ميونيخ، بدا مستعجلاً التفريط في الحدود والثروة، قناعة منه بأن هدر حقوق لبنان واللبنانيين يوازي حلمه برفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وفق قانون «ماغنيتسكي» بتهم الفساد وإفساد الحياة السياسية ومحاباة «حزب الله» وتغطية سلاحه وممارساته، فسارع إلى تبرير موقف القصر، فقال: «بغض النظر عن مسألة الخط 23 أو 29 أو خط هوف، مسألة الترسيم ليست فقط فوق المياه؛ بل ما هو تحتها (…) إذا لم يكن تحت الماء (ثروة) فلا بأس في غضِّ النظر عنها؛ لأنها تفقد قيمتها. هيدي مش حدود برية، هيدي حدود بالمي»!

كل المسار الذي بدأ منذ عام 2007، أي قبل 15 سنة لا يشي بأن المنظومة المتسلطة يمكن أن تؤتمن على الثروة، وهي ما زالت تستبيح المال العام، وتواصل السطو على الودائع، وهي مال خاص.

والمنطقة التي تتجاوز 1400 كيلومتر من المياه الاقتصادية الخالصة التي جرى إبلاغ المفاوض الأميركي بالتنازل عنها لإسرائيل، تحتوي على ثروات تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار! تمت التضحية بها من جيوب اللبنانيين، بما يمثل تنازلاً توافقت عليه منظومة السلطة و«حزبها»، مقابل ضمان استمرارية نظام المحاصصة الغنائمي! وكل المزاعم، أن هذه الخطوة تقرب لبنان من الانتقال إلى مرحلة تحول لبنان دولةً نفطية، هراء بهراء، وحديث فارغ مع سلطة الفساد والمحاصصة والارتهان الحالية.

إن الخطر سيكون محدقاً بالثروة، وقد شاهد الناس النماذج عندما يُشاع أن بلوكات الجنوب من حق الثنائي الطائفي: «أمل» و«حزب الله» (…)، بينما بلوكات الوسط من حق باسيل (…)، فالأجدى أن يتأخر الترسيم، ويبقى الغاز والنفط في جوف البحر لحمايته إلى حين قيام سلطة مستقلة نزيهة وشفافة تحمي الحقوق وحدود الثروة.