IMLebanon

تفاهم الترسيم والتفاؤل الحذر

 

 

لا شك أنّ كل اللبنانيين رحّبوا بالإتفاق الأخير الذي تمّ بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية، ونتمنى بدء التنقيب قريباً للاستفادة من ثروتنا الغازية. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، ومشكلتنا لم تكن يوماً بالمشاريع والخطط، بل بالتنفيذ والملاحقة. ونتمنى ألاّ يضيّع لبنان هذه الفرصة الذهبية الأخيرة لإعادة النهوض.

إنّ الإتفاق أفضل بكثير من الإختلاف، والسلام منتج أكثر بكثير من الحروب المدمّرة. ومن إيجابيات هذا التفاهم أن كل الأفرقاء يعتبرون أنفسهم منتصرين أمام جمهورهم، ويهتفون بالبطولات، كلّ من جهته، وبعض المراقبين يُعوّل على أنه لا غالب ولا مغلوب، لكن مصالح مشتركة.

 

النقطة الأهم في هذه الشعارات هي أننا تجاوزنا هواجس الخوف وشبح الحروب التي كانت تعصف بنا عقوداً من الزمن، فشبه السلام والإستقرار على الحدود الجنوبية سيكون له تداعيات إيجابية على لبنان.

 

لكن من جهة أخرى، ندرك تماماً أن الذين في الحكم اليوم هم المسؤولون المباشرون وغير المباشرين عن أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم، وأكبر عملية نهب وفساد وتدمير شعب ومؤسساته وإقتصاده، هؤلاء اليوم هم الذين سيراقبون عمليات التنقيب ومن ثم إستثمار المدخول الناتج.

 

تفاؤلنا حَذِر لأنه قبل الموارد الطبيعية الموعودة، هَرّب هؤلاء ودمّروا أهم الموارد البشرية والكفوءة التي كانت لدينا في لبنان، وأجبرت الأدمغة على الإغتراب وطَي صفحة بلدهم الأم. فكيف يمكن أن نثق بالذين دمّروا ثروتنا البشرية بأن يكونوا منتجينا لثروتنا الطبيعية؟

 

تفاؤلنا حذِر لأنه قبل المداخيل الموعودة من ثروتنا الغازية، إن إدارتنا أهدرت وفسدت وسرقت أكثر من 150 مليار دولار من الودائع والإستثمارات التي كانت على الأراضي اللبنانية، فكيف يمكن أن نثق بإدارتهم لأي مدخول جديد يقع بين أياديهم؟

 

تفاؤلنا حذِر لأن المنظومة نفسها أهدرت وسرقت وأفسدت عشرات المليارات من الدولارات للمساعدات الناجمة عن مؤتمرات باريس (1 و2 و3)، وبروكسل، وستوكهولم، ولندن وغيرها من دون أي إستثمار للبنى التحتية أو للإقتصاد، فكيف يمكن أن نثق بأنهم سيستثمرون هذه المرة لمصلحة الشعب والإقتصاد وهم لا يعرفون غير المصالح الخاصة والإستثمار السياسي والخلافي والتجاذبي؟

 

علينا ألاّ ننسى أو نتناسى أن لبنان قبل الموارد الطبيعية كان لؤلؤة الشرق ومنصة التبادل التجاري، «مغناطيس الإستثمار» وجنّة المنطقة، وقد حوّلوه إلى صحراء جرداء ومنصة اليأس والذل والحرمان.

 

في الخلاصة، نرحّب مرة أخرى بطي صفحة الحروب والدماء وفتح صفحة التفاهم والإتفاق. طَي صفحة الإستثمار بالعدوانية، من أجل الإستثمار بالتفاهم والتنقيب والإستقرار المالي والنقدي وإعادة النمو. لكن تفاؤلنا حذِر لأن مَن دمّر بلادنا وإقتصادنا وثروتنا البشرية وودائعنا ونسبة عيشنا وإستقرارنا الإقتصادي والإجتماعي، يُمكن بسهولة أن يُدمر مرة أخرى ويُهدر ثروتنا النفطية والغازية والبحرية بالأيادي السود عينها والأهداف الغامضة. إنّ هذه الثروة المقبلة ملك الشعب، وأتمنى أن يُحافظ عليها.