IMLebanon

«عته» القيادة السعودية يثير قلقاً أميركياً

لا يمكن مواجهة انتقال «السلطة» السلس في السعودية، من دون تساؤلات غربية، وخصوصاً أميركية، عن تأثير العهد الملكي الجديد على العلاقة بين واشنطن والرياض، وبين هذه الأخيرة وجوارها

تسري العادة غرباً كما في الدول العربية، بإطلاق العنان للتحليلات عقب وفاة أي ملك من ملوك السعودية، بناءً على استخلاص «العبر» (إن وجدت) من عهده واستشراف خصائص العهد المقبل استناداً إلى ما توافر من خصال الخلَف. بالنسبة إلى الأميركيين، وخصوصاً المراقبين المهتمين بالشأن السعودي، فإن مستقبل العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، ليس أحجية، بل إن من المسلّمات أنه لن يتغيّر كثيراً. لكن الواقع الشرق أوسطي المتوتّر بالتوازي مع الوضع النفطي المستجد، يدفع إلى طرح تساؤلات كثيرة عن السلطة السعودية المقبلة وتأثيرها على السياسة الإقليمية ارتباطاً بالدور الأميركي أو خارجه، خصوصاً في ظل ما يرشح عن صحّة الملك الجديد، الذي يرى العديد من المراقبين، أنها لن تساعد في إدارة الملفات الداخلية أو الخارجية، بل قد تفتح على ما هو أخطر من ذلك، وهو تحدٍّ جديد سيواجهه تداول السلطة في المملكة.

قبل أيام، وتحديداً عند دخول الملك عبدالله إلى المستشفى، تساءل الباحث في «معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أنطوني كوردسمان، عن تأثير الخلافة الملكية الجديدة على الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط، في ظل التقارير عن مرض الملك سلمان. ووصل إلى حد القول إنّ من الممكن أن تؤدّي التوتّرات ضمن الأسرة الحاكمة إلى أزمة داخلية أو خلافات، انطلاقاً من مخاوف من مواجهة السعودية أزمة سياسية كبيرة، ستؤدي بالعائلة المالكة إلى تدمير ذاتها.

وفي الفترة نفسها، كتب سيمون هندرسون في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، أن ما يوحي به الزوّار الذين التقوا سلمان قبيل تسلّمه الحكم، هو أنه «مصاب بالعته الذهني»، ذلك أنه «بعد مرور بضع دقائق من الحديث معه، يبدأ بالتكلّم من دون تناسق».

بناءً عليه، «سيكون هناك فراغ في السلطة في الرياض بعد وفاة العاهل السعودي»، أضاف هندرسون حينها: «وهذا الأمر سيؤدي إلى تنامي القلق في العواصم الدولية بسبب أهمية السعودية كأكبر مصدّر للنفط في العالم».

لكن ما يثير القلق أكثر، وفق الباحث المختص بالشأن السعودي، «هو تأثير ذلك على المملكة كمركز للزعامة في الدول العربية والدول ذات الغالبية المسلمة»، خصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». خلص هندرسون بعد ذلك إلى القول إنه «مع احتمال اتجاه الأمور نحو انتقال فوضوي للسلطة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تأكيد أهمية مجيء قيادة تتمتع بالأهلية وتتسلّم مهمات السلطة على وجه السرعة، وإلى عدم الاعتماد على مجرّد الأمل في أن يتمكن بيت آل سعود من إيجاد الحلّ لذلك بنفسه».

وعاد هندرسون ليؤكد، قبل يومين، ما كان قد كتبه سابقاً. فقال في مقابلة مع صحيفة «ذي واشنطن بوست»، إن «السعودية متجهة إلى أوقات صعبة بوجود ملك يعاني من العته»، وهذا آخر ما يحتاجون إليه في هذه الأوقات. وانطلاقاً من اختيار مقرن كوليّ للعهد من قبل الملك عبدالله قبل وفاته، تبدأ المشكلة. فوفق هندرسون، رغم تمتّع هذا الأخير بعلاقات جيّدة مع أهم حليف للسعودية، أي الولايات المتحدة، إلا أن «ذلك لا ينفي أن اختياره أثار معارضة شرسة من قبل عدد من الأمراء المستبعدين، الذين اشتكوا من أن الملك عبدالله تحدى التقليد الذي يسمح لكل ملك باختيار خليفته»، ما يعني بالتالي أن انتقال السلطة مفتوح على المجهول في هذا البلد.

إضافة إلى ما تقدّم، فإن ما يتسرب، حتى الآن، في الإعلام الأميركي هو القلق على مستوى رسمي من حقيقة أن موت الملك عبدالله «أتى في فترة من الريبة المستجدة في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية».

لذا، هل يمكن الملك السعودي الجديد أن يدير الشرق الأوسط المضطرب، بالتعاون مع أميركا، خصوصاً في ظل العلاقة المتوتّرة بين البلدين؟

جيرالد سيب وجاي سولمون أجابا عن هذا التساؤل في صحيفة «وول ستريت جورنال»، حيث اعتبرا أنه «على المدى القصير، فإن وفاة الملك قد تخفّف التوتر في العلاقة»، خصوصاً أن السعودية، التي تدخل في فترة انتقالية، «قد تشعر بأنها أكثر عرضة للتهديدات الخارجية، وبالتالي ستحرص على الظهور أمام العالم أنها لا تزال تملك التأييد القوي من قبل الولايات المتحدة».

وعلى المدى الطويل، يضيف الكاتبان، «سيؤدي الانتقال إلى تساؤلات عن ماهية الرؤية التي ستحملها القيادة السعودية الجديدة لعلاقتها مع المنطقة والعالم». وهي على الأرجح ستكون «قيادة جماعية»، وفق ما يراها الدبلوماسي الأميركي المختص بشؤون الشرق الأوسط، دنيس روس، الذي ينقل عنه سيب وسولمون قوله إن القيادة السعودية «قد تصبح أكثر حذراً في اتخاذ القرارات».

وبناءً عليه، أشار الكاتبان إلى أن هذا الواقع قد «يقلّل من قدرة السعوديين على التحرك بنحو حاسم في ما يتعلق بالقضايا الصعبة والمثيرة للجدل، إن كان تجاه إيران أو العراق أو الدولة الإسلامية (داعش)، وكذلك بالنسبة إلى السياسات النفطية»، التي كانت الولايات المتحدة والسعودية قد حاولتا التعامل معها سوياً.

أضف إلى ذلك أن واقع أن الملك الجديد، سلمان بن عبد العزيز، لا يعتبر زعيماً قوياً ولا يتمتّع بالصحة الجيدة، «يثير القلق بين مسؤولين أميركيين إضافة إلى تساؤلات يطرحونها بشأن السرعة التي سيتمكن من خلالها من توطيد سلطته»، وبالتالي سيسعون إلى «العمل بسرعة مع الحكام الجدد في المملكة العربية السعودية، لمعالجة الأزمات التي لا تعد ولا تحصى في المنطقة».