الرئيس الأميركي جو بايدن وجه الدعوة الى ١١٠ دول لحضور قمة حول الديموقراطية العالمية وذلك في ٩ و١٠ كانون الاول القادم، بالتقنية الافتراضية بسبب وباء كورونا، واختار من الدول العربية العراق فقط واستثنى كُلاً من الصين وروسيا، ويأتي انعقاد هذه القمة انسجاما مع حملة بايدن الانتخابية ٢٠٢٠ والى ما ورد في الاوراق الصادرة عن البيت الابيض بعد توليه مهامه ٢٠٢١ والتي اكدت على اعتبار ان العالم اليوم ينقسم الى نظامين الاول ديموقراطي ويحتاج الى اعادة تكوين وتجديد، والنظام الاخر استبدادي وقد بدأ يحقق نجاحات اقتصادية واصبح في وضعية تنافسية مع الدول الديموقراطية.
ان عدم دعوة القادة اللبنانيين يشكل صدمة قاسية بعد ان كان لبنان يصنف بأنه الدولة الديموقراطية العربية الاولى، مما يحتم القيام بعملية مراجعة ذاتية عميقة من قبل كل النخب السياسية التي تحاول جاهدة التحفيز على الانخراط بالعملية الانتخابية النيابية القادمة، وتحاول ايهام الاجيال الصاعدة والراغبة في التغيير الديموقراطي بأن الانتخابات النيابية القادمة سوف تحقق الاهداف الديموقراطية المنشودة، والحقيقة ان النخب السلطوية القديمة والجديدة تعرف بأن السلطة الطائفية والمذهبية تجدد نفسها دائما عبر الانتخابات النيابية وأن السلطة الطائفية تشكل المانع التاريخي لقيام الدولة الوطنية الديموقراطية .
تجاهلت مكونات السلطة في لبنان ما جاء في اتفاق الطائف باعتبار تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية هدفاً وطنياً الزامياً بعد انتخاب اول مجلس نيابي على اساس المناصفة اي برلمان ٩٢ ، وأن النظام الجمهوري البرلماني كما جاء في البنود الميثاقية يتحقق عند انتخاب اول مجلس نيابي محرر من القيد الطائفي على ان يتم بموازاته تشكيل مجلس شيوخ تتمثل من خلاله الطوائف وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، لكن مكونات السلطة القائمة ومعها قوى التغيير الجديدة والطامحة الىالانخراط بالسلطة تعتقد بأن الطائفية البغيضة هي جوهر الشخصية الوطنية اللبنانية، وهذا ما نشاهده بوضوح من تحضيرات انتخابية من اجل تجديد النظام الطائفي تحت مسميات وشعارات تغييرية هزيلة.
ان تجاهل لبنان من الدعوة الى قمة الديموقراطية في اميركا يجعلنا نتيقن من ان الديموقراطية ليست انتخابات مركبة ومعلبة، بل ان الديموقراطية هي منظومة مجتمعية متكاملة وانسيابية عبر السياسات والحوارات والنقاشات والدراسات والاستفتاءات والتشريعات المكثفة والمتجددة وتكوين احزاب وطنية غير طائفية واحترام عملية تداول السلطة باشراف المؤسسات الرقابية والقضائية الشفافة والمستقلة وعلى كافة المستويات والمؤسسات والقطاعات بما يؤمن مواكبة يقظة ومباشرة لتطور المجتمعات وضروراتها ومستجداتها السياسية والاقتصادية والانسانية والوجودية من الصحة الى المناخ والبيئة والتكنولوجية وغيرها من تحديات واسباب تطور الوجود الانساني.
ان تجاهل لبنان يحتم علينا الاقلاع عن تسويق الاوهام واعتبار الديموقراطية هي مجرد عملية انتخابية دورية كالمهرجانات الفلكلورية، وبعد مئة عام من تعثر قيام الدولة الديموقراطية نتيجة انخراط كافة المكونات بالنزعات الاقليمية والدولية واستباحة كل المحرمات الوطنية، اصبح لبنان الان بحاجة الى نخبة وطنية ديموقراطية فوق انتخابية تعمل على تجديد ثقافة الانتظام واستشراف الخيارات الوطنية الفردية والمجتمعية، نخبة قادرة على مواكبة عملية التحول الدقيقة من مجتمعات النزاع الى دولة الانتظام الحديثة والتحرر من اوهام الانتخابات الطائفية والمذهبية والمناطقية والقبلية والعائلية ومع التأكيد على ان الديموقراطية .. ليست انتخابات نيابية فقط .