Site icon IMLebanon

ديموقراطية “أوريجينال”  

 

 

ماذا بقي من الديموقراطية في لبنان، هذا البلد المنكوب بسياسييه عموماً… سيّان مَن كان منهم في السلطة، أم من هو خارجها…

 

في مرحلة الاستقلال والجمهورية الأولى نَعِمَ لبنان بديموقراطية جدّية إلى حد بعيد، بالرغم من بعض الهنات الهيّنات. وقد فاضت نعم الاستقلال والديموقراطية حدّاً ملحوظاً، يبرز بوضوح في تشكيل الحكومات، وفي الموالاة والمعارضة، وفي الازدهار الذي تميّز به لبنان بين بلدان المنطقة قاطبةً، وفي دور هذا الوطن الصغير كداعية للسلام عندما الخلافات تعصف بين الأشقاء العرب، وفي استقطابه الزوار: سيّاحاً، وطلاباً، وأصحاب رأي، وطالبي نسمات الحرية، وأدباءً، وصحافيين وإعلاميين(…).

 

اليوم لم يبقَ شيء من ذلك كله… فالديموقراطية التي كانت الدافع القوي لمرحلة الازدهار في السياسة والنمو والاقتصاد ومختلف مفاصل الحياة اللبنانية زالت بزوال المفهوم الوطني السليم مع تسليم شؤون البلد إلى الميليشيات، في مرحلة ما بعد الحرب… فالذين آلت إليهم مقاليد لبنان هم الذين عاثوا فيه فساداً، واستباحوا كلّ شيءٍ، فحللوا المحرَّم، وحرّموا المحلّل، وفرضوا الهيمنة، ومسخوا الحياة السياسية، وشوّهوا ممارسة السلطة، وقسّموا لبنان تكايا على قياس كلٍ منهم، ثمّ نصّبوا أنفسهم ملوكاً عليها، وحوّلوا المواطنين إلى رعايا يعودون في أمورهم كلها إلى الملك – الراعي، فلا وظيفة إلا بموافقتهم، ولا ترقية إلا بإرادتهم، ولا مشاريع تُنفّذ إلا بعين رضاهم، وهو رضى مكلِفٌ جدّاً، ولا شيء إطلاقاً إلا بإذن منهم…

 

والأخطر أنهم يختلفون على الصغيرة والكبيرة، وما يراه الواحد منهم أبيضَ ساطعاً يراه الآخر أسودَ قانياً… وعندما يتفقون فعلى تقاسم الجبنة.

 

وحتى التحالفات التي يقيمونها فهي سرعان ما تنقلب إلى خصومات لدودة وحادة، لأنها مبنية على المحاصصة والمصالح الذاتية والآنية… بينما كانت، في زمن الديموقراطية الحقيقية مرتكزة على قاعدة فريق الموالاة وفريق المعارضة، وكل من الفريقين يضم وجوهاً من الأطياف اللبنانية كافة… ولم يُعْرَف أن أي سياسي أثرى على حساب الدولة أو مد يده إلى المال العام… أما اليوم فيتغاوون بالفساد.