Site icon IMLebanon

الديموقراطية تبقى تحدّياً وحاجة

الديموقراطية عملية مُعقّدة وليست سهلة، وفي غالب الأحيان قد يتخلّلها مواجهات، وتحَدٍّ ولجوء الفرَقاء المتنافسين إلى أساليب بشعة. وعلى رغم كلّ السلبيات المحيطة بها تبقى الديموقراطية هي الطريق الوحيد للتمثيل الأفضل، بالمقارنة مع الأنظمة الديكتاتورية، الشيوعية، الإشتراكية والأوتوقراطية… هل تستطيع الديموقرطية شقّ طريقها في الشرق الأوسط؟

في الولايات المتحدة تتجلّى الديموقراطية بأبهى حُلّتها وأسوأ أساليبها، وفي النهاية يختار الشعب الأفضل. ولكن لم نشهد في تاريخ الديموقراطية الأميركية سلوكاً أسوأ من المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

فهجومُه على كلّ شرائح المجتمع الأميركي من النساء إلى السود إلى المهاجرين من أميركا الجنوبية إلى الإسلام سلبيّ ومثير للحيرة. فبعدما رفضَت حاكمة ولاية نيومكسيكو سوزانا مارتنز حضورَ الحملة الانتخابية لترامب في ولايتها، شنّ عليها هجوماً مُطالباً بإسقاطها، مع العِلم أنّها رئيسة مؤسسات الحكّام الجمهوريين.

إنطلاقاً من ذلك، كيف سيُوحّد ترامب الحزبَ الجمهوري بهكذا هجمات على قياديّيه؟ وكيف سيربح الانتخابات العامة ضد منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون؟

حتى الساعة، لا يزال رئيس مجلس النواب الأميركي بول ريان غير مقتنع بترامب ولم يعلن تأييدَه له بعد، في وقتٍ تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ هناك فارقاً بسيطاً ما بين ترامب وكلينتون، والسبب أنّ بيرني ساندرز لا يزال مستمراً في المعركة حتى السابع من حزيران. فهل سيبقى هذا الفارق بسيطاً، ومَن سيتقدّم على الآخر؟

من جهة أخرى، أعلنَ مرشّح حزب «الحرّيات الفردية» حاكم ولاية نيو مكسيكو سابقاً غاري جونسون عن اختيار نائب الرئيس وهو حاكم ولاية مساشوستس السابق بيل ويلد، في الإجتماع العام للحزب في مدينة اورلاندو في ولاية فلوريدا في نهاية عطلة الإسبوع الفائت، وكلاهما كانا في الحزب الجمهوري وفي الاستطلاعات حصَلا على عشرة في المئة من الأصوات.

أخيراً وبعد سنة ونصف من حملته الانتخابية حصل ترامب على الرقم المطلوب للمندوبين الجمهوريين، واليوم مجموع الداعمين له 1239. ووفق مصادر في الحزب الجمهوري، لقد بدأ ترامب تأليفَ فريق عمله من ضمنهم حاكم ولاية نيوجرسي كريس كريستي، الذي سيكون مدير مكتبه في البيت الأبيض، والسيناتور جوني أرنست من ولاية أيوا على اللائحة القصيرة لمنصب نائب الرئيس.

وسبقَ أن قام ترامب بطردِ بن كارسون الذي كان المنافسَ السابق له في الانتخابات الرئاسية، وكان ضمن فريق العمل ليساعد ترامب على اقتراح شخصية لتتولّى منصب نائب الرئيس. السيناتور ماركو روبيو من جهته، غيّرَ رأيَه بترامب وأظهرَ استعداده لإلقاء خطاب في التجمّع العام للحزب الجمهوري. وهو ما ذكّرني بحديث لي مع شخصية سياسية رفيعة المستوى من فلوريدا بأنّ روبيو سيقبل بأن يكون نائباً للرئيس على لائحة ترامب لأنّه يحمل أجندته الخاصة، ويُعرف عنه بأنّه «وصوليّ».

أمّا على الجبهة المقابلة، فلا تزال المعارك حامية وعلى أشدّها بين كلينتون وساندرز. وقد رفضَت وزيرة الخارجية السابقة مناظَرة تلفزيونية مع منافسها قبل انتخابات ولاية كاليفورنيا، بينما ترامب وافقَ واشترط في المقابل أن يدفعَ ساندرز له ملايين الدولارات (ليقدّمها لمؤسسات إنسانية، إذ سبقَ ووعد ترامب بتقديم ستّة ملايين دولار أميركي للمعوّقين في الجيش الأميركي، وحتى تاريخ كتابة هذه السطور لم يفِ بوعده) لأنه سيجمع له الملايين من المشاهدين، ولا يريد أن يقدّمها له من دون مقابل.

وبعدما وافقَ ساندرز، سحبَ ترامب عرضه، خصوصاً أنّ الرسائل الإلكترونية لوزيرة الخارجية السابقة عادت بقوّة إلى الواجهة بعد تحميل محاميّي الخارجية لها مسؤولية تصرّفاتها غير القانونية في هذه المسألة.

يبدو أنّ التمثيل السياسي الحالي لم يعُد مرغوباً به، ليس فقط في لبنان بل في الولايات المتحدة وأوروبا. الشعب ينتفض على المُهيمنين في الأحزاب: الأميركيون غيّروا وجه الحزب الجمهوري من خلال دعمِهم ترامب، وخرَقوا الهيمنة في الحزب الديموقراطي من خلال ساندرز.

البريطانيون أيضاً منزعجون من رئيس حكومتهم الحالي ديفيد كاميرون، وهم يسيرون على طريق التغيير. في لبنان بَرهنت الانتخابات البلدية أنّ اللبنانيين يقاصِصون الأحزاب والإقطاع السياسي، وفقَ ما أظهرت النتائج، ولا سيّما من خلال لائحة «بيروت مدينتي» التي حصَدت 40 في المئة من الأصوات، على رغم عدم فوزها، وفوز لائحة الوزير اللواء أشرف ريفي في طرابلس.

أمرٌ يدفعني إلى توقّع أن تغيّر الانتخابات النيابية المقبلة التمثيلَ السياسي والنيابي في لبنان، وأدعو إلى أن يتمّ التحضير لإطلاق لائحة لبنان بلدي بـ 108 شخصيات (إحتراماً لاتفاق الطائف) من الداخل والاغتراب لتحقيق التغيير الجذري الذي يتوق إليه كلّ لبناني. فالديموقراطية تبقى هي السبيل الأفضل للتغيير بوعي المجتمع ككُل.

ديبلوماسي أميركي سابق