ليست للمرة الأولى التي تجري فيها إنتخابات بلدية واختيارية في لبنان، ولا سيما بعد انتهاء الحرب عام 1990، وليست المرة الأولى التي تجري فيها هذه الحروب في العاصمة والمدن والبلدات والقرى، وليست للمرة الأولى التي تُقدَّم فيها البرامج والخطط وتُعلَن فيها الوعود، فهذا هو لبنان وهذه هي حيويته الديمقراطية. لكن أبعد من هذا الأمر هناك خطر يتسلل من وراء كل ذلك، ومبعث هذا الخطر:
كيف يكون مسموحاً إجراء انتخابات بلدية واختيارية ولا يكون مسموحاً إجراء إنتخابات رئاسية، واستطراداً نيابية؟
***
فالإنتخابات البلدية والإختيارية ، على رغم حماوتها وحيويتها، هي في نهاية المطاف استحقاق قروي وبلدي في أقصى حالاته، وهو لا يعيد إنتاج سلطة سياسية بل إنتاج مجلس بلدي له أهداف إنمائية في أقصى حالاته. حتى العاصمة، فإنَّ الكلمة لنوابها قبل أن تكون لمجلس بلديتها، فلماذا إعطاء الأمور أكثر من أحجامها؟
***
إنَّ المعارك التي تجري هذا الشهر على البلديات والمخاتير في معظم المناطق، هي أولاً وأخيراً معارك بدل عن ضائع للمعارك على الاَحجام النيابية للأحزاب والأطراف، فالذين خاضوا ويخوضون هذه الإنتخابات، إما بإسم أطراف سياسية وإما بالنيابة عن تلك الأطراف، لكن هذا البدل عن ضائع لا يعفي الجهات المعنية من التركيز على الإستحقاق الأهم الذي هو إستحقاق رئاسة الجمهورية وبعده إستحقاق الإنتخابات النيابية.
***
وفي عزّ الإنشغال بالإنتخابات البلدية والإختيارية، أُصيب الإستحقاق الرئاسي بنكسة، فالجلسة 39 لإنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، إنعقدت بأعلى درجات اللامبالاة، ومن مؤشرات هذه اللامبالاة أنَّ الحضور لم يتجاوز 41 نائباً، فكانت النتيجة أنَّ الرئيس نبيه بري رفع الجلسة إلى 2 حزيران المقبل لتحمل الرقم أربعين، وهكذا سيمرُّ العشرون يوماً حتى ذلك التاريخ فتكون الإنتخابات البلدية والإختيارية قد انتهت وحتى الإنتخابات الفرعية في جزين قد انتهت أيضاً.
***
إذا لم يتبدّل شيء في المعطيات فإنَّ الجلسة الأربعين ستكون كما سابقاتها، فإنَّ الإنشغال الأساسي بعد الإنتخابات البلدية سيكون الحديث عن الإستحقاق النيابي على قاعدة:
كيف يمكن إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية ولا يمكن إجراء الإنتخابات النيابية؟
البلد سيكون على موعدٍ مع إشكالية كبيرة في هذا المجال، وعنوان الإشكالية هو:
أيُّ إستحقاق يسبق الآخر في هذه الحال؟
الإستحقاق النيابي أم الإستحقاق الرئاسي؟
السجال مفتوح، فالرئيس سعد الحريري يعتبر أنَّ الأولوية هي لإنتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما أكده أيضاً وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي في جولته التفقدية الأحد الفائت اعتبر أنَّ ما يجري ليس عرس الديمقراطية بل خطوبة الديمقراطية، أما العرس فيكون في انتخابات الرئاسة.
لكن في المقابل، بدا الرئيس نبيه بري وكأنه لا يمانع في أن تجري الإنتخابات النيابية طالما أنَّ الإنتخابات البلدية قد أُجريت، وبهذا المعنى فإنّه لا يمانع في تقصير ولاية المجلس الممدد له والذي تنتهي ولايته بعد سنة، وهنا يبقى السؤال:
هل بالإمكان إنجاز قانونٍ جديدٍ للإنتخابات لتجري على أساسه؟
وفي حال تعذَّر إنجاز قانونٍ جديدٍ هل يجوز إجراء هذه الإنتخابات وفق القانون الموجود حالياً؟
***
أسئلة كثيرة مطروحة لكن أخطر ما هو موجود هو هذه الفوضى في الإستحقاقات.