يبدو أن الأزمة التي يمر بها الحزب الديمقراطي اللبناني ليست عابرة. تجتاحه منذ أسابيع موجة استقالات في مختلف المناطق. تكفي نظرة على أسماء بعض المستقيلين لمعرفة أن ما يشهده حزب النائب طلال ارسلان ليس بسيطاً. أزمة الحزب أطلت برأسها من راشيا التي استقالت دائرة الحزب فيها كاملة بجميع حزبييها، مسؤولين وعناصر، قبل أن يلحق بهم عضو المكتب السياسي الدكتور عماد العماد، ثم صلاح الغريب أمس.
من يعرف الديمقراطي، يعلم أن العماد شخصية محورية وأساسية كونه ممثل ارسلان في لقاء الأحزاب، وهو إبن عائلة لها دور وحضور وبصمة في الجبل. أما الغريب فهو إبن عم شيخ العقل ناصر الدين الغريب. ويعتبر «مِن عصب الحزب»، علماً أن مصادر «الديمقراطي» تؤكد أن استقالته جرت قبل عام ونصف عام، مستغربة صدور بيان الاستقالة أول من أمس.
بالحديث مع أكثر من طرف مطلع على أزمة الحزب، يتبيّن أن كل مستقيل يفسّرها من منظار مختلف عن الآخر. فمن ناحية يقول «ديمقراطيون» معارضون إن «المشكلة تكمن في وجود أفكار لكن من دون مؤسسات حزبية». ويعتبر هؤلاء أنه «لا يكفي حمل الشعارات، بل يجب ترجمتها». ويلفتون الى «تراجع الدور الكبير الذي طالما لعبه الدروز رغم عددهم الصغير». ويعتبر بعض هؤلاء أن «ارسلان لم يحسن تحويل الحزب الى جسر عبور بين الدروز والأحزاب في الداخل والخارج. كما أنه لم يستغل «استقالة» النائب وليد جنبلاط من العمل في بعض مناطق الجبل، لاستقطاب الناس، بل فضّل الوقوف متفرجاً».
تعيد أوساط مطلعة على مجريات الأمور داخل الديمقراطي هذه الإستقالات إلى «الوضع التنظيمي المهترئ». وفيما يرفض مستقيلون تسمية مكمن الشكوى، تتحدّث مصادر في الحزب عن أن «المشكلة مردّها الاعتراض على أداء وكيل داخلية الحزب لواء جابر». وتقدم المصادر مثالاً على الترهل التنظيمي ما أصاب «الكشافة التي لم تسلم من المحسوبيات. فقد تمّ حلّ الإدارة التي كانت تتولاها من داخل الحزب، وتمّ تكليف قيادة من الخارج ما أدى إلى تراجع عدد المنتسبين منذ عام 2008 (1500 منتسب)، إلى أقل من النصف. وتوقفت كل الموارد عنه، حتى بتنا نضطر إلى تسوّل المساعدات». من الناحية السياسية «لم يتمّ انتخاب مجلس سياسي منذ دورتين، وإنما يفوز المرشحون بالتزكية، بعد أن يتلقوا ايعازاً بالترشح». وفي إحدى المرات، فإن «من تم تعيينهم داخل المجلس (يحق لرئيس الحزب تعيين بعض الأعضاء)، كانوا قد أقسموا يمين الانتماء إلى الحزب قبل شهر واحد فقط. هذا فضلاً عن أن الخدمات لا تأتي إلا عن طريق المختارة!».
وقد تجسّد التصدّع في صفوف الديمقراطي، في إحدى أكبر بلدات عاليه، عرمون، حيث أسس رئيس البلدية فضيل الجوهري إطاراً مناهضاً للحالتين «الديمقراطية» و«الجنبلاطية»، واستطاع جذب عدد كبير من أبناء المنطقة لا سيما الشباب، ما شكّل له حيثية ضامنة في وجه الإشتراكي والديمقراطي معاً.
وهذه الأجواء تنسحب أيضاً على المشايخ، الذين يتململون «من وعود قيادة الحزب»، كما تقول مصادرهم: «مستشفى بيصور لم يرَ النور بعد، وعلى الأغلب، فإنه لن يرى النور أبداً». وتضيف المصادر أن «شيخ العقل الذي حارب به ارسلان جنبلاط لسنوات، ووضعه في مقدمة الصراع إلى الزعامة الدرزية، الشيخ ناصر الدين الغريب، جفّف له ميزانيته أخيراً، ولم يبرزه بالدور المطلوب، وذلك بعدما إرتأى اختيار مصالحة جنبلاط».
وتقول الأوساط إن «حالة التنظيم المزرية ستؤدي الى مزيد من الإنهيارات في الحزب نتيجة سوء الإدارة».
في المقابل، قلّلت قيادة الحزب من أهمية هذه الإستقالات مع التأكيد على «مكانة كل من قدم استقالته». وفي حديث مع «الأخبار» قال مدير المكتب الاعلامي في الحزب جاد حيدر إن «ما يحصل أمر طبيعي داخل أي حزب يضم آلاف المنتسبين»، مؤكداً على مكانة كل الذين انتموا الى هذا الحزب «لكن استقالاتهم لا تعني نهاية الديمقراطي، فهذا الحزب لا ينتهي الا بانتهاء الرمز فيه وهو المير ارسلان، وليس أي أحد آخر». ورداً على الإتهامات التي تطال الحزب، قال: «هناك عناصر تعمل، وهناك آخرون يريدون الحصول على مناصب من دون أن يقوموا بأي جهد. وما حصل لن يؤثر سلباً، والدليل أنه بعد استقالة الدائرة في راشيا، وتعيين دائرة جديدة زار رئيس الدائرة الجديد ومعه حوالي ١٥٠ شخصاً من مشايخ وفعاليات المنطقة المير طلال في منزله، وهذا ما لم يحصل كل الفترة السابقة».