لعبة ديمقراطية في وطن يتراوح مصيره بين الاحتضار والإنقاذ
جمهورية جاهزة تواجه المصير الصعب
وتتهيأ لاستقبال معجزات الترئيس!
خرج الرئيس حسين الحسيني عن صمته، وقال ان الإنتخابات الرئاسية أصبحت محسومة.
واكد رائد إتفاق الطائف ان يشاهد اللبنانيون اليوم الرئيس العماد ميشال عون في بعبدا.
وقال، كما نُقل مراقبون سياسيون عنه، ان يكون بقاء النائب سليمان فرنجيه في موقع المنافسة الرئاسية، أحد أبرز الوجوه في المنافسة الديمقراطية، في بلد غير أوتوقراطي.
وأردف: انا لست نائباً، لكنني أتمتع بذهنية تؤهلني لإبداء آرائي في قضايا البلد.
الا ان الرجل الذي ولد إتفاق الطائف التاريخي على يديه في العام ١٩٨٩ تمنى ان تبقى وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، أساساً لالتوافق على ديمومة لبنان.
وهكذا، طارت المخاوف على لبنان، سياسياً ومالياً واقتصادياً في برهة، بعدما امعنت في تخويف اللبنانيين على مصير البلد، وعلى مستقبله السياسي. ويبدو ان الرئيس سعد الحريري، استطاع تغيير المعادلات، بعدما صبر عاماً كاملاً على ترشيحه للنائب فرنجيه للرئاسة دون الوصول الى المبتغى، من خلال اعادة الحوار مع رئيس التيار الوطني واعلان ترشيحه للعماد عون.
كانت البلاد على مدى عام ونصف عام وبضعة أيام غارقة في جحيم الفراغ وقابعة في وهاد الشغور وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. تبحث بكل أطيافها عن قائد سياسي يجنح بها من الفراغ الى جمهورية جديدة. فيما الوطن كله يدعو يومياً الى انتخاب رئيس، من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وصولاً الى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام.
وفي لبنان تدور الحروب دورتها، لكن حروب الثنائيات لا تلغي دور حروب الثلاثيات، وان مرت في ثنائية وزير الخارجية جبران باسيل والسيد نادر الحريري الرجل القوي في معسكر زعيم تيار المستقبل، بدليل ان اتفاق الاثنين الماضي غاب، عندما تم التوافق الثلاثي بين العماد عون وحزب الله بزعامة أمينه العام السيد حسن نصرالله، والرئيس سعد الحريري.
وفي رأي النائب انور الخليل، ان الثنائيات لا تلغي الثلاثيات، بدليل ان دور الرئيس نبيه بري اساسي في قيام المعادلات او استبعادها.
كان الكاتب العالمي جون رايد يقول في مطلع الاربعينات، ان عشرة ايام هزّت العالم يوم نشب صراع عنيف بين أقطاب الشيوعية الدولية، ولا سيما بين الزعيم السوفياتي فلاديمير بوتين والقائد الأحمر جوزيف ستالين، وبين الزعيم الشيوعي الاخر تروتسكي. الا ان سقوط الأخير اتاح للقيادة الحمراء السيطرة على ست عشرة جمهورية تحت اسم الإتحاد السوفياتي وأتاح الفرصة لانتصار الإتحاد المذكور في الحرب العالمية الثانية، بالإتفاق التاريخي بين الحلفاء، ومن أبرزهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ضد طغاة كبار من امثال أودلف هتلر في المانيا وموسوليني في ايطاليا.
ولعل وقوف لبنان الى جانب فرنسا، على اساس أن ينال استقلاله بعد الحرب، كان سبباً في انتصار دعاة الاستقلال وانهيار جماعة الإنتداب الفرنسي، وانتصارالجنرال ديغول على الطغاة الموالين للنزعة الهتلرية.
وهذا ما جعل اللعبة الديمقراطية راسخة في السياسة اللبنانية في عصر بشارة الخوري ورياض الصلح، حتى انه عندما أراد الرئيس اللبناني الاستقلالي الأول، تغيير رئيس الحكومة واستبدال عبد الحميد كرامي مفتي طرابلس برياض الصلح، لم ينج من النقد، الى ان اغتيل هذا الاخير في عمان، على يد احد العناصر المتطرفة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان رحيله مناحة سياسية في البلاد.
الا ان الحياة السياسية دارت دورتها، وبرزت وجوه جديدة كان من أبرز عناصرها ظهور زعامة رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل، والعميد ريمون اده في المنافسة على الزعامة، الى ان كانت الفرصة الكبرى في تسلم قيادة الجيش زمام الأمور وانتخاب الأمير اللواء فواد شهاب السلطة، في زمان القائد العربي جمال عبد الناصر، وخلال فتنة داخلية ظهرت في طرابلس بزعامة الرئيس رشيد كرامي، صحيح ان هذا الاخير تسلم القيادة بعد والده عبد الحميد كرامي الا انه تحالف مع القوى اليسارية برئاسة النائب هاشم الحسيني، ولاحقاً مع الدكتور أمين الحافظ بين العامين ١٩٦٣ و١٩٧٥، وهو شاب مثقف وصحافي بارز في جريدة الجريدة لصاحبها جورج نقاش صديق اللواء فؤاد شهاب.
وعرف لبنان في تلك الحقبة، ظهور تيار الوسط بزعامة النواب سليمان فرنجيه وكامل الأسعد وصائب سلام، واستطاع هذا التحالف ايصال أحد اعضائه الى رئاسة الجمهورية.
بيد ان الجمهورية عرفت الازدهار، بعد افول نجم الرئيس شارل حلو، بعد عصر فؤاد شهاب، الا ان لبنان عرف التجاوزات، ونعم بالتوافقات في عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي اختاره لتنفيذ ما لم يرغب في ترشيحه شخصياً في الحكم، رفضاً لتجديد ولايته، وترشيح شارل حلو مكانه، حرصاً منه على عدم الإتيان بقائد ثانٍ للجيش رئيساً للجمهورية هو الجنرال عبد القادر شهاب.
في ٣١ تموز ١٩٥٨ انتخب الجنرال فؤاد شهاب رئيساً بأكثرية ٤٨ صوتاً مقابل تسعة أصوات، وحصل في الجولة الثانية العميد ريمون اده على سبعة أصوات ووجدت ورقة بيضاء.
ويقال ان اختيار شهاب للرئاسة جاء ثمرة توافق مصري – أميركي بين عهد الرئيس دوايت ايزنهاور والحكم المصري بقيادة جمال عبد الناصر.
وكان الرئيس المصري يعتبر الرئيس كميل شمعون معادياً للحكومة المصرية فسلم الاخير الرئاسة الى الجنرال شهاب مرغماً لا مختاراً، على الرغم من تأكيده بأن الحرب قامت في لبنان ضده لمنعه من تجديد ولايته.
ويقال ان الرئىس شمعون لم يكن راغباً في التجديد، لكنه لم يكن ممانعاً له إذا ما حصل.
كان المطلوب أن يعلن الرئىس شمعون معارضته للتجديد، لكنه كان يرفض هذا الاعلان، لانه إذا فعل ذلك، فلن يبقى في البلاد موظف يطيعه، أو ينفذ أوامره.
ويقول العارفون بالاسرار السياسية، ان الرئىس عبد الناصر، أعرب مراراً عن سروره باختيار فؤاد شهاب خلفاً لشمعون، وان همه، حماية استقلال لبنان، ورغبته في علاقات وطنية مع ادارته، ومن دواعي المودة والصداقة، أن يعرب عن رغبته الصريحة بعدم السيطرة على لبنان.
وبعد مرور اكثر من نصف قرن اطل العام ٢٠١٥ على لبنان، المثقل بألف هم وهم: وطن بلا رأس، وجمهورية بلا رئىس. مع عدم وجود من يقيم في القصر الجمهوري في بعبدا، وتعطيل السلطة التشريعية ودورها، بعدم انعقاد جلسات لمجلس الوزراء بانتظام. في هذه المرحلة بالذات، بدأ يُطرح المزيد من الاسئلة حول الاعراف السائدة في الغرف المغلقة ومنها مصير الصيغة اللبنانية.
هل ما زالت صالحة فعلاً لاستيعاب مختلف الفصائل المكونة لتركيب لبنان كما تم التفاهم عليها لدى الاستقلال في العام ١٩٤٣، أم ان المتغيرات التي طرأت على الوضع اللبناني بشكل عام، باتت تستوجب البحث والتفكير عن صيغة أخرى، وما هي هذه الصيغة التي يمكن أن تلقى قبولا لدى مختلف الموازين اللبنانية.
ويعقب قيادي بارز، بان لكل مرحلة من تاريخ الوطن المعاصر والقديم، مفرداته وطقوسه وسماته خصوصا من جانب بعض الافرقاء بعد اندلاع المواقف المتعارضة.
ففي شهر آب من العام ٢٠١٥ صدر عن البنتاغون، اي عن وزارة الدفاع الاميركية، وثيقة تؤكد ان التقسيم في العراق هو باب الحل الافضل والأخير، لفض النزاعات بين الطائفتين السنية والشيعية.
وبالإضافة الى هذا البيان الاميركي، فان الامر الواقع، من النواحي المذهبية والطائفية والقومية عزز هذا الواقع التقسيمي.
في المقابل مرّت في لبنان افكار، تطرح اللامركزية الادارية، وهذا ما ورد في اتفاق الطائف الذي نص أيضاً على انشاء مجلس للشيوخ يضبط التوازنات الطائفية في البلاد، الفالته من عقالها.
ويضيف هؤلاء لقد أردنا المشاركة في اعمار هيكلية الدولة وفي اظهار عجزها عن مواجهة الأزمات التي عصفت في لبنان كوطن وكجمهورية. ومن اسوأ وجوه هذه الازمة، اعادة البلاد إلى المنحى الطائفي. وهذا هو الوجه القاتل الذي فتك بلبنان وباللبنانيين.
كلام كثير قيل في لبنان، ولكن لا بد من نقطة معينة لاستحضار السنوات العجاف للأجيال التي عاشت الحروب منذ نيسان العام ١٩٧٥، وما تلتها حتى يومنا هذا. وأيضاً للاجيال التي ولدت خلال الحرب وبعدها.
ان هذا الوطن كالمركب الذي تتقاذفه الأمواج والاعاصير. انه كموج في مهب الرياح، لا تقوى على صده الا الارادات الخالية من الشوائب.
والإمتحان صعب والنتائج غامضة والمصير ضائع والإنقاذ في منتصف الطريق.
انه سؤال يصبح في الضمائر، ويعتري اللبنانيين الخائفين على وطن معرض للزوال.
هل تنجح اللعبة الديمقراطية بين الفائز والخاسر في انتخابات رئاسية مجمدة منذ عامين ونصف العام.
انها اللعبة الاخطر في زمان الازمة الاكبر في تاريخ وطن مشرف على الهلاك إذا لم تنتصر أعجوبة الصمود في الأيام الآتية.
وهي لعبة صعبة فصولاً وحلولاً وأزمات راكدة بين المصير والخفير على المستقبل.
سئل مفكر كبير، عما يمكن أن يفعله لبنان لتجاوز الاخطار المحدقة به مذهبياً وطائفياً في حقبة أرهقتها الديانات بالمغالطات، مع انهم، انشأوا حضارات إنسانية وارفة الظلال، في معظم أصقاع العالم، قديمة وحديثة.
الا ان هذا المفكر أورد ان اللبنانيين المنتشرين في العالم بنوا حضارات، ولم يأخذوا من العالم بقدر ما أعطوه.
ويقول ان في العالم الان، نحو خمسة عشرة مليون شخص من أصل لبناني، معظمهم بين مراكز هامة وقيادية في الطب والسياسة والمال والتجارة والفن. وأينما تذهب الارض تراهم عيوناً شاخصة الى هذه البقعة الصغيرة من الارض التي هي الوطن، عيوناً شاخصة الى هذه القرى والمدن المنتشرة على قمم الجبال وسفوحها، كأن ليس في العالم ثروة للبنان.
والسؤال المحوري: كيف نستعمل هذه المنطقة ونوظفها في خلق لبنان الجديد؟
ويقترح المفكر انشاء وزارة خاصة للإنتشار اللبناني، لتحديد وتفعيل العلاقة بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر، بغية تحديد المستحقين منهم للجنسية اللبنانية، ومن يحق لهم حملها، أو منحهم حق المساهمة في العملية السياسية اللبنانية بانتخاب ممثليهم في البرلمان، وبأن يكون لهم ممثلون في الحكم.
ويروي المفكر نفسه، مرت مائة عام ولبنان يتأرجح بين الموت والحياة. وها هو اليوم في قبضة أزمة مصيرية، وجودية، يحتاج فيها الى المنتشرين في العالم، أكثر من أي يوم مضى، ان قيامة لبنان ليست مسؤولية الدول، بل مسؤولية اللبنانيين المنتشرين قبل سواهم، لان لسوانا مصالحه، غير انهم وحدهم يحبونه، من هنا ندعو الى انتخاب رئيس غير تقليدي بحجم نلسون منديلا، قادر على ارساء الوحدة بين اللبنانيين في الداخل، ووحدة الانتشار في الخارج.
ويتابع: نريد رئيسا يوحد اللبنانيين جميعاً ويقدر على بلورة رؤية جديدة للبنان، ويجب أن يساهم مع سواه، يوضع استراتيجية لتوحيد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم.
هل تتحقق هذه الامنية اليوم.
وهل كان يوم أمس الاحد آخر ايام المعاناة عند الشعب اللبناني.
ذلك هو السؤال الذي يدغدغ آمال هذا الشعب.