IMLebanon

الرعايا هم الديموقراطيون..

مسح الرعايا اللبنانيون بعض الإهانات التي تلحقها بهم، يومياً، الطبقة السياسية التي تحكمهم بل تتحكم فيهم من خارج الدستور، وأخطرها انهم لا يستحقون نعمة الديموقراطية، وانه لو تمت دعوتهم إلى الانتخابات، اية انتخابات، فلسوف يخوضون في دمائهم وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم والتعبير عن إرادتهم في من يمثلهم، من ادنى مستوى (المدينة، البلدة، القرية..) إلى أعلى مستوى في النظام البرلماني.. الديموقراطي.

وإذا ما اعتمدنا النموذج اللبناني، على خصوصيته، فإنه يقدم الدليل الحسي على ان «المواطن» أرقى من نظامه، في لبنان كما في معظم الأقطار العربية، إن لم يكن في جميعها… أو بالتمديد حيث يتم الاعتراف بهذا «المخلوق» بوصفه مواطنا في دولة وليس رعية لديكتاتور، سواء أكان ملكاً أو أميراً في بلاد الذهب، أو امبراطوراً مقدساً في الأنظمة العسكرية..

ان هذا المواطن، في لبنان بداية، كما في سائر البلاد العربية التي نسمح «لرعاياها» بأن يمارسوا حقوقهم البديهية في انتخاب حكامهم، لا يأتي من الجاهلية، وهو يعرف أن يختار المؤهل لتمثيله، سواء على مستوى رئاسة الدولة (لو انه صاحب القرار في ذلك..) أو على المستويات الأدنى كالنواب وصولاً إلى البلديات والمختارين..

وفي لبنان، تحديداً، ليس المواطن هو السبب في تعطيل الحياة السياسية، وترك الدولة مشلولة، بلا رئيس، والمجلس النيابي يمدد لنفسه مرة وثانية و… بل هو المتضرر الأول من تغييب الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية كافة.

ان الانتخابات البلدية والاختيارية التي تمت جولتها الأولى في ثلاث محافظات بينها العاصمة بيروت ومحافظتا البقاع وبعلبك ـ الهرمل، شهادة جدارة لهذا المواطن (ولقرار وزير الداخلية الذي أصر على إجرائها مطمئنا إلى سياقها الأمني.. برغم انه طبيعي، وإن استغربه المرتاحون إلى دوام الحالة الشاذة..).

ان النظام اللبناني رديء، وفاسد مفسد، بل ومتوحش عبر تطبيقاته الشوهاء التي تصر عليها الطبقة السياسية المتعفنة والتي لا تحمل أي تقدير للشعب، بل لعلها تحتقره وتدأب على تغييبه بوسائل شتى، لتحكم وتتحكم بفسادها السياسي وارتكاباتها الفظيعة التي تشكل انتهاكا فظا للدستور، يومياً، وتنهب موارد الدولة، وتعطل القوانين وتسن تشريعات تجيز لها الممنوع بل المحرم.. فيمدد المجلس النيابي لنفسه مرة وثانية، وتستمر الحكومة قائمة برغم انها معطّلة ومعطِّلة..

ولأن النظام يقوم على الطائفية ويعتاش منها ويستمر بها فمن البديهي ان يعمل رعاته والمستفيدون منه على استثمار الطائفية لقسمة الشعب وجعله ينشغل بمعارك ضد ذاته، أي ضد وحدته.

على هذا فليست مجازفة القول ان «المواطن» في مختلف بقاع هذا الوطن الكبير، بنموذج لبنان، متعدد الأديان والطوائف (الاصلية واللاجئة بالاضطرار كما بالقرار الواعي غرضه من استضافة الوافدين ـ مهجرين ـ وتجنيسهم بذريعة حمايتهم، بوصفه «ملجأ الأقليات العنصرية والطائفية».. من دون ان تمنع هذه الشهامة من تجنيس وافدين آخرين بالثمن الباهظ وبالدولار، وآخر فاتورة لمثل هذا التجنيس تقارب الثمانية ملايين من الدولارات..).

ليست مغامرة القول ان «المواطن» الذي يراد له ان يكون «رعية»، أرقى من حكامه الذين يخافون من إرادته فيزوّرونها، ومن رقابته فيعطلونها، ومن استعداده لحماية وطنه ومواجهة عدوه الإسرائيلي بدمائه، متى لزم الأمر… ومن خارج القرار الرسمي لأهل الحكم فيه!

لقد توجه بضع مئات الآلاف من المواطنين، أمس (حوالي نصف المليون ناخب وناخبة) إلى صناديق الاقتراع، وأدلوا بأصواتهم بأمان، ومن دون حوادث أمنية تذكر.

وبغض النظر عن النتائج الرسمية للانتخابات البلدية التي سوف تعلن كاملة وتتأكد مع الفجر، فإن الناخبين في «المنطقة الصعبة» والتي طالما شُوّهت سمعتها، قد انتظموا في طوابير، ووقفوا طويلاً أمام مراكز الاقتراع، وبينهم «خصومات» و «حزازات» وذكريات سيئة عن نتائج معارك انتخابية سابقة، ورغم ذلك عادوا إلى حياتهم الطبيعية بهدوء..

…وهكذا انتصر هؤلاء «الرعايا» على طبقتهم السياسية فأكدوا إيمانهم بالديموقراطية، بما يعاكس تماماً إرادة تلك الطبقة الفاسدة المفسدة في النظام العاقر!