مَنْ يجهل اليوم أن المحافظين الجدد من بين الجمهوريين في الولايات المتحدة دمّروا العراق بعد غزوه، ودمّروا كل إمكانات حماية وحدته حين حلّوا جيشه؟ مَنْ من العرب لا يزال يجهل أن الديموقراطيين في أميركا مسؤولون عن إبادة ثلاثمئة ألف سوري، كما الروس شركاء في الإبادة، وفي حماية نظام البراميل المتفجّرة والغازات السامّة؟
مَنْ يشك في دور للولايات المتحدة، وراء «خريطة الطريق» التي رسمتها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، وتفخيخ الطريق أمام الشرعية اليمنية في قتالها الحوثيين وجماعة علي صالح؟
وإذا كان الجمهوريون «أسخياء» مع إسرائيل، فإدارة الرئيس باراك أوباما «الديموقراطية» وقّعت أضخم صفقات مع حكومة بنيامين نتانياهو، ليغادر البيت الأبيض مطمئن البال إلى ضمان أمن إسرائيل لخمسين سنة مقبلة.
الجمهوريون المحافظون تفرّدوا خارج الشرعية الدولية، بقرار غزو العراق واحتلاله، فيما الروس يتفرّجون. انقلبت الأدوار، بات الروس ومعهم الإيرانيون قوة احتلال وتدمير لسورية، بينما الأميركي يتفرّج، ويشارك من بعيد في إحصاء الضحايا.
أيّهما الأفضل للعرب، الديموقراطية هيلاري كلينتون التي سلّفها أوباما قرار تدشين معركتي الموصل والرقة لاستعادتهما من «داعش»، أم مرشح الجمهوريين الشعبوي المشاكس دونالد ترامب الذي توعّد المسلمين بحظر على دخولهم الولايات المتحدة، ووعد إسرائيل بالاعتراف بالقدس عاصمة لها، إذا فاز بالبيت الأبيض؟
أيهما أفضل، هيلاري التي لن تعاقب إسرائيل على ابتلاع أراضٍ من الضفة الغربية بالاستيطان، أم ترامب الذي يعتبر أن الرئيس بشار الأسد استعاد قوته، ويكرر إشادته بقيصر الكرملين الرئيس فلاديمير بوتين؟
ولا تكتمل مشاهد «لعبة الأمم» إلا باللعبة الإيرانية المملّة: أميركا باتت بلا أخلاق(!) بدليل حفلات الشتائم والبذاءة التي طبعت حملة الانتخابات الرئاسية… الشرسة. وأما المعايير الأخلاقية والإنسانية فآخر ما تجتهد طهران لتبريره، في تجييش الميليشيات التي تشارك في قتل سوريين وعراقيين ويمنيين.
صحيح أن الإندونيسي أو الفيليبيني بعد الأوروبي والكوري الشمالي لا يمكنه إلا الاهتمام بما يهزّ أميركا، وباحتمالات الليلة الأخيرة في الانتخابات، ولكن يرجّح اطمئنان العرب إلى أن ترامب لو فاز، لن يضغط على الزر النووي في فورة غضب… وهو على رأس السلطة لن يكون ترامب المرشّح الذي تعهّد أولوية لتجفيف منابع «الفساد» في هذه السلطة و «النظام المزوّر».
سيعني الكثير فوز ترامب المتمرّد على كل أصول اللياقات الديبلوماسية والإنسانية، في التعامل مع قضايا الداخل والخارج، لكن الكارثة تكمن ربما في حال كرّس حلفاً مع القيصر المعجب به، لتُمعن روسيا في خريطة أحلامها وأطماعها في قلب أوروبا والعالم العربي. وإن تكن هيلاري كلينتون الأقل سوءاً، حتى بالنسبة إلى العرب، فلا شيء في حملاتها الانتخابية أوحى باستعدادها لسياسة نشطة في المنطقة توقف حروبها واضطراباتها، وتلجم شهية الروس، وتعطّل براكين الدم.
للأميركي أن يحلم بأميركا أفضل، أن يختار، بعدما أهملت السلطة هموم الفقراء والأقليات، وخضعت لكوابيس الأمن وهواجسه. بهذا المعنى، يصح القول أن شعار الشعبوي ترامب «أميركا أولاً»، هو حرفياً النهج الذي طبّقته إدارة أوباما، منسحبة من مناطق النزاعات في العالم، مستسلمة أمام خطف الروس مجلسَ الأمن.
شيء من التعقُّل يرجَّح أن تنحاز إليه غالبية الأميركيين، مفضلةً هيلاري، من دون إسقاط احتمالات المفاجأة. والكارثة أن يطعن ترامب في نتائج الاقتراع، مدّعياً التزوير إذا هُزِم، فذاك كفيل بهزّ ما بقي من صمام أمان لتداول السلطة، إلا إذا تكاتف مع الديموقراطيين جمهوريو «النظام الفاسد» لردع طيش البليونير.
مع الديموقراطيين في أميركا، لا ضمان بوقف مجازر مئات من الأطفال في سورية والعراق قريباً. مع شعبوية ترامب، إذا تحالفت مع «محور التمرُّد» في العالم، لا شيء سيحول دون توسيع حزام الحروب، بالأصالة والوكالة.
وبين جنون ولا مبالاة، يراهن العرب على الآتي، ويخيّبهم.