ما إن فاز اللواء أشرف ريفي في الانتخابات البلدية في طرابلس حتى انطلقت حملة مبرمجة عنوانها شيطنة ريفي وشيطنة انتصاره في طرابلس.
هذه الحملة المتعددة المصادر والأهداف تتكئ الى رغبة في تجويف هذا الانتصار، وفي وضعه خارج السياق الطبيعي الذي انتجه، وهو سياق الاعتراض على كلّ ما ارتُكب من أخطاء منذ سنوات، والى اليوم، كما هو سياق يدعو بصوتٍ عالٍ للعودة الى جذور مشروع «14 آذار»، هو المشروع نفسه الذي صوّتت طرابلس من اجله، وكأنها تعاقب الاخطاء التي ارتكبت والخيارات التي اتخذت، والتي لم يكن آخرها ترشيح النائب سليمان فرنجية والعماد ميشال عون إلى الرئاسة.
في المنحى التصاعدي لهذه الحملة كان بداية اتهام من تيار «المستقبل» للواء ريفي بأنه اعتمد على مساعدة «القوات اللبنانية» لوجستياً ومالياً للفوز في بلدية طرابلس، واذا كان هذا الاتهام الذي عمّمه أحد وزراء «المستقبل» يعتمد في مجمله على محاولة التصويب على العلاقة الجيدة التي تربط ريفي بـ«القوات اللبنانية» فإنه يهدف الى نسب انتصار ريفي الى قوة اخرى مجهولة او معلومة، علماً أنّ ريفي الذي رفض بشكل متوازن ترشيحَي فرنجية وعون، لا يطمح من خلال ما قام به إلّا الى اعادة إحياء مشروع «14 آذار» الذي يرى فيه رغم كلّ ما أصابه من ضعف، الخيار الوحيد القادر على مواجهة مشروع «حزب الله».
وقد قرأ ريفي في سياق نتائج طرابلس وضع ما حصل في خانة رفض الأكثرية السنّية لترشيح فرنجية، لأنّ ما حصل يؤكد أنّ هذه الأكثرية ترفض ترشيح أيّ اسم من قوى «8 آذار»، وتريد أن تعود قوى «14 آذار» الى مرحلة ما قبل الاخطاء الجسيمة التي ارتُكبت وأدّت الى اضعافها.
أما في قراءة الحلقات الأخرى من مسلسل شيطنة ريفي وانتصاره، فيمكن التوقف بسهولة امام الاتهامات المالية التي سيقت، والتي كان الهدف منها، تلويث الانتصار، هذا فيما كانت المعركة تحدياً كبيراً لإثبات أنّ الناخب الطرابلسي لا يتأثر بالامكانات المالية الهائلة التي يملكها بعض مَن شكلوا اللائحة المنافسة للائحة القرار الطرابلسي، فيما كانت اللائحة المدعومة من ريفي تغطي احتياجاتها المالية واللوجستية بما تيسر.
خاض ريفي انتخابات طرابلس منفرداً وحقق الانجاز منفرداً، إذ لم يدعمه احد من القوى السياسية في الداخل، ربما لاعتقاد معظم هذه القوى بأن لا جدوى من دعم طرف خاسر. كما خاض ريفي هذه الانتخابات منفرداً ومجرّداً من ايّ دعم عربي، تكفي واقعة عدم دعوته الى عشاء السفارة السعودية، لتعطي مؤشراً الى أنّ البعض استطاع أن يؤثّر الى درجة معيّنة، تكفي لحجب هذه الدعوة، هذا على الرغم من أنّ علاقة ريفي بالمملكة ومعظم قياداتها تتجاوز الحساسيات والحسابات اللبنانية الصغيرة، وهذا ما يُترجم بشكل دائم وبعيداً من الاعلام باتصالات مستمرة، وتشاور يبقى خارج لغة التوظيف المحلية.
خرج «المتطرف» من المعركة حاملاً عبء انتصار كبير، سارع لتوظيفه في خدمة مشروع العودة الى الدولة والمؤسسات، ومشروع «14 آذار»، هذا التوظيف لن ينتهي مفعوله سريعاً، فريفي مصمّم على الاستمرار بخطه، من دون أيّ تعديل في خطابه أو أدائه، لكن هذه المرة تحت عنوان اليد الممدودة والفاعلة والمؤثرة، وأولى الخطوات تواصل مع جميع القوى السيادية والمرجعيات، ومع ممثلي ورموز المجتمع المدني، الذين شارك البعض منهم في اللائحة المدعومة منه في المدينة، فيما البعض الآخر راقب من بعيد، وفوجئ بما تحقق. أما في ما يتعلق بالمجلس البلدي الفائز، فستتمّ مواكبته بكلّ ما يحتاج لكي يقدم لطرابلس انجازات تعوّض ما فاتها من وقت ضائع، وهذا تحدٍّ آخر لا يقلّ اهمية عن الانتصار في ترسيخ الخيار السياسي للمدينة.