بتوقيعه مرسوم فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، أصاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عصفورين بحجر واحد. ذلك أنه سجل هدفاً سياسياً في مرمى عين التينة، بتأجيل الجلسة النيابية من 5 إلى 7 حزيران،بعد حسمه للجدل الدستوري الذي نشأ، مطلقا المرحلة الأخيرة من المداولات في شأن قانون الانتخاب العتيد، بعدما نجح الأفرقاء في الاتفاق على مبدأ النسبية على أساس 15 دائرة، دون ان يعني ذلك سقوط الخشية من أن تطيح «شياطين» التفاصيل التقنية الجاري بحثها في الكواليس السياسية والحزبية اتفاقا سياسيا لا يزال هشا.
فقد بات من شبه المؤكد ما لم يطرأ ما هو في غير الحسبان ان الانتخابات النيابية المقبلة ستحصل وفقا لقانون جديد، ينتظر ان ترفع صيغته الى اول جلسة لمجلس الوزراء الذي سيحتفل بالخطوة ويحيله الى المجلس النيابي ليصار الى اقراره في غضون يومين من تاريخه على ابعد تقدير ،على ان يلي ذلك تمديد «تقني» اقترح البعض ان يكون من ضمن صيغة القانون الجديد فيما ترى جهات اخرى ضرورة اقرار التمديد من خلال تعديل مدة ولاية المجلس في قانون الدوحة، رغم ان البحث انتقل الى ايجاد حل وسط لمدة التمديد بعدما اكد وزير الداخلية في دراسة اعدها ان السير بالقانون الجديد يفرض فترة زمنية تتخطى الستة اشهر لاستكمال الاستعدادات اللوجستية من تدريب للمعنيين من قضاة ورؤساء اقلام وموظفين اداريين يخوضون تجربة القانون النسبي للمرة الاولى، او حتى الى قرابة عام، اي في الربيع المقبل، ليستوعب المواطن «النسبية» بتعقيداتها.
فافطار بعبدا نجح كما كان متوقعا في حل الاشكالات القانونية والدستورية دفعة واحدة، فوقع رئيس الجمهورية مرسوم العقد الاستثنائي محتفظا بحقه في اعلان نصف الانتصار في كلمته فيما تولى رئيس الحكومة البوح بالنصف الثاني، الا انه لم يحسم عمليا الصيغة النهائية للمشروع التي لا تزال قيد الدرس، والشيطان يكمن في التفاصيل التي لا تزال محط أخذ ورد خصوصا لناحية طريقة العدّ والصوت التفضيلي، ما اذا كان واحدا ام اثنين وتاثير ذلك على حظوظ المرشحين الذي بالنسبة للكثيرين هو عودة مبطنة للنظام الاكثري كلما صغر حجم الدائرة. علما ان الطروحات المتناقضة لا سيما في ما يخص «الضوابط»، اذا بقيت على حالها، قد تعوق إنجاز الانتخابات في مهلة منطقية، مقترحة أن يخفّض كل طرف سقفه للوصول الى الخواتيم السعيدة. فكلما عُقّدت النسبية تأخر الاستحقاق فيما «النسبية السهلة» خصوصا لدى احتساب الاصوات، تسهّل إجراء الانتخابات سريعا.
واذا كان الخبز والملح الرمضاني قد انعكس رخاء على العلاقات المتشنجة بين الرئاستين الاولى والثانية، فان مصادر عين تينة تؤكد ان الصراع لم يكن شخصيا وبالتالي فان مصير جلسة 5 حزيران يتوقف على الرئيس نبيه بري، الذي سيأخذ القرار المناسب عندما يتبلغ المرسوم رسميا، وأغلب الظن أن الجلسة ستؤجل الى 7 حزيران، مشيرة الى ان الثنائي الشيعي لا يعارض تثبيت المناصفة لتطمين المسيحيين رغم ان التاكيد عليها موجود في المادة 24 من الدستور ولا مشكلة في ذلك ، كاشفة ان الاجتماعات متواصلة ومتلاحقة منذ ليل الخميس وعلى اعلى المستويات وهي مستمرة الى حين اقرار القانون في المجلس النيابي بعد احالته الى الهيئة العامة من مجلس الوزراء الذي سيناقشه ويقره كمشروع قانون.
قبل سبعة عشر يوماً على انتهاء ولاية المجلس النيابي الممددة، اتضح المشهد الانتخابي في صورته شبه النهائية، في ظل انتصار الرئاسة الاولى الثوابت التي لم يعد من مجال للشك فيها، «لا ستين ولا فراغ ولا تمديد الا تقني»، فيما يبقى التحدي الاكبر في التحدي الاكبر في ابعاد شياطين التفاصيل. فهل يتحقق الخرق خلال العقد الاستثنائي الممتد من السابع من حزيران حتى العشرين منه، بعد تعثر لعقود عادية؟