Site icon IMLebanon

تظاهرة بعبدا: رجعت «أيام القصر»!

باستثناء واقعة التاسع من تموز التي شهدت كباشاً مباشراً بين عدد من مناصري «التيار الوطني الحر» والمؤسسة العسكرية، بقي الجيش في عزّ فورة الشارع، إن كان بلونه البرتقالي أو بحراكه المدني، متمترسا في الخطوط الخلفية لا تلحظه حتى كاميرات النقل المباشر!

هو قرار متّخذ على مستوى قيادة الجيش وتم إبلاغه الى من يعنيهم الامر من القوى السياسية. «عسكر اليرزة قوة مؤازرة والتدخل غير وارد إلا حين تدعو الحاجة القصوى».

وكلما تصاعد الحراك، زادت الحاجة لنزول البدلات العسكرية المرقطة الى الارض، لكن الجيش بقي يواكب عن بعد فيما «مخابراته» تقوم باللازم. «ستاتيكو» استمرّ الى حين إعلان ميشال عون قرار «الزحف» باتجاه قصر بعبدا.

تظاهرة 11 تشرين الاول المقبل ليست مجرد محطة اعتراض روتينية في «الاجندة العونية»، ورسائلها السياسية تتخطى بكثير أبعادها المطلبية، لكن لمن الارض ستكون: قوى الامن أم الجيش؟

بين وسط بيروت ومنطقة بعبدا كل الفارق. «الوسط» هو رمز المؤسسات الدستورية والحكومية والمالية والاقتصادية، وبعبدا رمز الرئاسة الاولى و «عنوان» المؤسسة العسكرية، وداخلها وعلى ضفافها، تقطن غالبية من الرؤساء والوزراء والنواب وكبار الضباط، إضافة الى مقارّ عدد من السفارات الاجنبية. بعبدا «منطقة عسكرية» بامتياز، وحساباتها تختلف عن كل المناطق الاخرى، خصوصا العاصمة.

هذا في الامن، أما في السياسة، فيبدو ان تظاهرة 11 تشرين ستشكّل اختبارا مفصليا لميشال عون مع خصومه، ممّن «استبسلوا» لمنع وصوله الى القصر الجمهوري، ومع قائد الجيش ودوره في حماية تظاهرة سلمية أحد أهم عناوينها المستورة: رفض وصول العماد جان قهوجي الى كرسيّ الرئاسة الاولى!

حتّى الآن، لم تحدّد الجهة الرسمية التي ستتولى مواكبة التحرّك، قوى الامن أو الجيش أو كلاهما معا.

صحيح انها تظاهرة يفترض أن تواكبها عناصر قوى الامن، لكن منطقة بعبدا – اليرزة هي عبارة عن مربّعات أمنية تتقاسم مهمّة حمايتها الأجهزة العسكرية والمخابراتية.

ومن المعروف ان الحرس الجمهوري هو مكلّف تأمين الحراسة لأمن القصر في بعبدا وبيت الدين. لكن منذ بدء أحداث عرسال في آب 2014، تمّ توسيع مهام لواء الحرس الجمهوري، حيث استُعين بضباطه وعناصره للانتشار في المناطق المحاذية للقصر وصولا الى إقامة الحواجز عند تخوم الضاحية الجنوبية.

ويعتبر المربع الامني لقصر بعبدا مربعا مقفلا بوجه أي تحرّك احتجاجي على اختلاف أنواعه، واعتصامات أساتذة الجامعة اللبنانية السابقة على مفرق القصر الجمهوري (خارج المربع) كانت نموذجا.

أما يوم الانتخابات السورية الرئاسية في الثامن والعشرين من ايار من العام الماضي، فقد شكّل اختبارا حسّاسا لما يمكن أن يصنّف في خانة رفع الجهوزية القصوى في محيط القصر الجمهوري والمقار العسكرية، حيث أقفلت جميع المداخل المؤدّية الى المربع الامني المحيط بالقصر وفُتح الاتوستراد فقط لخط سير السوريين القادمين من أجل الاقتراع في مبنى السفارة في اليرزة. كان عامل الاختراق الامني واردا في منطقة عسكرية فاتّخذت احتياطات استثنائية، خصوصا ان المقترعين كانوا بالآلاف.

لكن قبل ان يعلن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل قرار التوجّه الى قصر بعبدا، جرت محاولة خجولة سابقا من قبل مواكب برتقالية سيّارة لإيصال رسالة رمزية بشأن «الرئيس القوي» قبالة مفرق القصر الجمهوري في الثاني من ايلول الجاري وانتهت في لحظتها.

في 11 تشرين الاول، سيكون المضمون نفسه، لكن يجري الحديث هنا عن مشاركين لوّح سابقا ميشال عون، في معرض التأكيد أن قدرته على الحشد الى تزايد، «بأنهم سيسكّرون الطرق» (بأعدادهم)، فكيف إذا حضرت «النوستالجيا» لـ«قصر الشعب»، فيما تشير المعلومات الى أن «التيار الوطني الحر» يسعى لحشد يفوق عدد الذين شاركوا في تظاهرة ساحة الشهداء في 4 ايلول، مع التزام مسبق بـ «الخطوط الحمر».

وفيما تتوزّع المداخل الرئيسية لقصر بعبدا على أربعة: اوتوستراد الصياد ـ مفرق سوبر ماركت ابو خليل، جهة الحدث (مدرسة الحكمة)، مفرق قلب يسوع، وصعودا من جهة نادي الضباط، فإن معلومات تفيد أن النقطة الاخيرة التي قد يسمح للمتظاهرين ببلوغها هي لدى التقاطع الرئيسي المؤدي الى «طلعة القصر».

وفيما لا يزال البعض يروّج أن تاريخ هذا الاعتصام سيبقى خاضعا للتطوّرات السياسية التي قد تؤدي الى إلغائه إذا ما تمّ «التفاهم» مع «الجنرال»، فإن العونيين الذين دأبوا على إحياء مناسبة 13 تشرين في القاعات المغلقة، قرّروا رفع سقف التحدي برفع سلّة مطالبهم أمام أبواب «القصر»، مفترضين ان مهمّة الجيش هي حمايتهم بما ان لا نية للمتظاهرين باقتحام القصر الجمهوري، مع التأكيد أن لا تغيير في روزنامة التحرك «إلا إذا انتخب عون رئيسا قبل ذلك»!

وعمليا، فإن القوى الامنية قد تشكّل خطا فاصلا بين المتظاهرين والقوى العسكرية المولجة تأمين حماية محيط قصر بعبدا، أي الحرس الجمهوري الذي يتبع لغرفة عمليات خاصة به برئاسة قائد اللواء العميد وديع الغفري، مع العلم ان مطّلعين يؤكدون ان تظاهرة من هذا النوع والحجم ستفرض طلب تعزيزات إضافية من الجيش.