Site icon IMLebanon

تظاهرات وسط بيروت من مطلبية الى .. انقلابية

انطلقت التظاهرات المتواصلة بتقطع في وسط بيروت منذ السبت الماضي كحركة مطلبية جسدتها وجوه لا شك بنقائها ووطنيتها. لكن قوى اخرى تسعى لجرّ البلد الى فراغ مؤسساتي استغلت هذه التحركات، وحولتها الى انقلاب على الشرعية، ساهم في نجاحه غموض شعارات تجمعات المجتمع المدني واختلافاتها. فمنها من يضع التخلص من النفايات اولوية، او من تتدرج مطالبه من القضاء على فساد الطبقة السياسية الى اسقاط الحكومة بل اسقاط النظام بأكمله.

هي فوضى سمحت «للمندسين» بتحوير بوصلة دغدغت مشاعر اللبنانيين المحشورين في زاوية التفتيش عن حلول لاوجاع مآسيهم اليومية من غلاء وبطالة وكهرباء وصولا مؤخرا الى النفايات. فالقضايا المطلبية لا شك بأحقيتها خصوصا ان الحكومة بدت عاجزة ولم يعد امامها الا خياران لا ثالث لهما: الانتاجية او انفراط العقد. والعجز عن حلّ اي من الملفات مرده اولا التعطيل الذي يقوده وزراء «التيار الوطني الحر» ومن يتضامن معهم، وثانيا تقاعس وزراء «قوى 14 اذار« وتلكؤهم في المواجهة. فهذا التلكؤ يغري «حزب الله» بوضع يده على كل المفاصل وفق سيادي لبناني امضى سنوات شبابه منخرطا في نضالات مطلبية ومتخطيا انتمائه الطائفي. ويقول «ليس بسيطا ان تطمح ميليشيا (حزب الله) الى وضع يدها على البلد مستغلة حسن نية اللبنانيين» لافتا الى ان الحكومة اصبحت « الشرعية الوحيدة وكل ما تبقى من اتفاق الطائف» في ظل الفراغ في الرئاسة الاولى والشلل البرلماني.

فالمعركة ليست مجرد معركة ضد الفساد، فاذا كان انكار الفساد موقفا خاطئا فان اختزال ما يشهده وسط بيروت بمحاربة الفساد خاطئ ايضا وفق المصدر نفسه الذي يرى بان الازمة ليست فعليا ازمة نظام لم يستكمل مقوماته وفق اتفاق الطائف، ونما مصدرها الاساسي «سيناريوات التعطيل المتتالية».

فقد تطورت الامور الى «انقلاب بكل عناصره مهما اختلفت التفسيرات لاسبابه» وفق المصدر نفسه. والمسؤول عن هذا التطور هو «حزب الله» الذي يتستر عمليا بمطالب «التيار الوطني الحر» الذي اكد بلسان احد اركانه الوزير السابق سليم جريصاتي «ان طلعت ريحتكم لا يمكنها ان تربح بذاتها مثل هذه المعركة ان لم تتبنها حركات واحزاب سياسية لاغبار على مسيرتها النضالية». وتصبّ كل التحليلات في هذا التوجه سواء كان السبب خسائر المحور الايراني الاقليمية او احساسه بفائض قوة بفضل الاتفاق على الملف النووي مع الغرب.

ففي الحالة الاولى يحاول ان يعوض من لبنان عن الخسائر التي تتراكم انطلاقا من اليمن عبر تراجع الحوثيين، مرورا بالعراق عبر التحركات الشعبية الشيعية من بغداد حتى النجف المساندة لاصلاحات حيدر العبادي التي تعارضها ايران حتى لا تمس مصالح رجالاتها المفضلين واولهم نوري المالكي، وصولا الى سوريا التي تقلصت فيها سيطرة الاسد الى نحو 20 في المئة من مساحة البلد. اما في الحالة الثانية وبما ان استقرار لبنان ما زال موضع اهتمام دولي وفق مجموع المؤشرات، تصبح زعزعته ورقة تواصل ايران عبرها محاولة استدراج الولايات المتحدة للتفاوض حول ازمات المنطقة.

امام هذا الواقع ما العمل؟ صحيح ان لقوى 14 اذار مجتمعها المدني الذي لو انخرط مبكرا لامكنه الحفاظ على خط سير التحركات المطلبية. اما الان فقد فات الاوان وفق المصدر نفسه الذي يشدد على ضرورة الانتقال بالحكومة من حال المراوحة الى حال الانتاجية التي تعهد رئيسها بانها ستكون محك مواصلته في تحمل مسؤولياته.

ويلفت الى ان على المطالبين باسقاط الحكومة باعتبارها «رمز الفساد والعجز» التنبه الى ان الممر الالزامي لذلك يكون بانتخاب رئيس للجمهورية يمتلك وحده صلاحية تكليف شخصية جديدة تشكيل الحكومة. ويتساءل بدل السعي للتخلص من اخر رموز الشرعية لماذا لا يتركز الحراك المدني على مطالبة المعطلين بالنزول الى البرلمان وانتخاب رئيس فحكومة جديدة فانتخابات نيابية.