منذ عدوان تموز 2006 وحتى اليوم، يخرج الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد نصرالله في كل عام ليستعيد ما يسمّيه بـ»المشهد المدهش»، وليُحوّل معركته مع العدو الصهيوني الى «سرد اسطوري». في كل عام، يتحدث السيّد عن فشل العدو الصهيوني، «بسلاح جوّه وبقوة الدمار وبهول المجازر»، في أن يحسم معركة، لا في بنت جبيل ولا في مارون الراس ولا في وادي الحجير ولا في غيرها من المدن والقرى على مساحة الجنوب. وهذا صحيح. لكن إذا كان صمود «حزب الله« في حرب الـ33 يوماً «معجزة»، كما يصفها سماحته، فماذا يقول عن صمود الزبداني والتظاهرة السلمية التي خرج بها مَن تبقى مِن أهلها المحاصرين في كيلومتر مربع واحد؟ ماذا يقول عن ذلك الرجل المسن الذي رفع في تظاهرات أمس لافتة كتب عليها «قُتلنا قصفاً وجوعاً، ومحاصرون في 1 كلم ولسة بدنا حرية»! وفي لافتة أخرى، صوّب رجل مسن آخر بوصلة السيد وكتب: الطريق الى الحرية يمر في الزبداني وكل المدن السورية»! فبِمَ يصف سماحته هذا الإصرار على الحرية رغم حروب الإبادة والبراميل وحاويات البارود والكيماوي والصواريخ؟ بمَ يصف من خرج من تحت الركام ونفض عنه غبار الحرب القذرة ليتحدى العالم المتآمر عليه، والذي تلتقي ضده كل الأضداد من الكرملين الى البيت الأبيض، بشعار: «اي.. لسة بدنا حرية»!
دخلت سوريا زمن الهدنة. مَن كان ينتظر حتفه ببراميل وحاويات البارود أو بصواريخ «السوخوي» أو اختناقاً بالغازات السامة أو حتى جوعاً بفعل الحصار، عاد ليتظاهر مجدداً وكأن شيئاً لم يكن. نفض عنه غبار الحرب واستعاد المشهدية الأولى للثورة. يومها كان النظام يقمع ويُصوّر أسلوب القمع الوحشي ومن ثم ينشر جريمته، علّه يُرهب الناس ويحثّهم على التراجع. عبثاً حاول. تواصلت التظاهرات رغم مشاهد تلك المجموعة التي تتناوب على تعذيب أحد الناشطين وتسأله: «بعد بدك حرية»؟ تواصلت رغم قلع أظافر حمزة الخطيب وإعادته الى أهله جثّة منتفخة. رغم ذبح ابراهيم القاشوش واقتلاع حنجرته. رغم قطع العضو الذكري لأحد الناشطين ودسّه في فمه. رغم إجبار أحد المتظاهرين على الكفر بالله وتوحيد إلهه بشار، رغم الاغتصاب والتعذيب والتنكيل وتفريغ الأحشاء أمام الكاميرات. عادت اليوم التظاهرات السلمية بعد سنوات من حرب حرقت أخضر سوريا ويابسها. عادت الناس الى الساحات لترفع شعارات إسقاط النظام ولتصرّ على مطلبها بالحرية. يمد الشعب لسانه للجيوش المذهبية قائلاً: ها نحن نتظاهر ولا تستطيعون قصفنا. لا بدّ أن يعني ذلك شيئاً لحزبٍ قال أمينه العام ان «لا ثورة في سوريا، بل مجموعات إرهابية». لحزبٍ كان يتوهّم أنه دخل الى سوريا ليحسم المعركة لصالح النظام، قبل أن تأتيه الإجابة في تظاهرات عمّت المدن والقرى المحاصرة والمحررة: «اي بدنا حريّة».
«طريق القدس لا تمرّ في سوريا، بل الطريق الى الحرية يمرّ في الزبداني وكل المدن السورية». هكذا خاطب مَن تبقى من أهالي الزبداني آخر من ضلّ طريق القدس وأوهم جمهوره أن فلسطين تقع في آخر الطريق. في التاريخ غير البعيد، قال أبو اياد، المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية، «إن الطريق الى القدس يمرّ في جونيه». لم يمرّ وقت طويل حتى غادرت «المنظمة» بيروت من موانئها باتجاه تونس. وبعدها قرّر الرئيس الراحل صدام حسين أن يشق طريقة الى القدس عبر «المحمّرة»، فجاء رد الخميني بأن «الطريق الى القدس يمرّ من بغداد»! انسحب صدام من الكويت وسقط بعد 12 سنة من الحصار، وغرق «فيلق القدس» الإيراني في حروب مذهبية على مساحة المنطقة. التجارب كافة فشلت، لا القدس عادت ولا رف جفن لإسرائيل. بقيت جونية والكويت وعاد الشعب السوري الى الساحات مجدداً ليطالب بـ»الحرية» وبـ»إسقاط النظام».