مضى عام حافل بالتطورات الايجابية والسلبية وحلَّ جديد من المبكر جداً وصف ما يمكن ان يكون عليه، واللبنانيون بين متفائل وبين متشائم وبين مستسلم »للأمر الواقع« وما يكون عليه، متسائلين هل يكون العام الجديد امتداداً للعام السابق بكل انجازاته الايجابية التي تصدرها قانون الانتخابات الجديد، واقرار مراسيم التنقيب عن النفط والغاز، واقرار الموازنة العامة للدولة بعد غيبة طويلة، وتحرير جرود لبنان الشرقية، في عرسال وراس بعلبك والقاع من المجموعات الارهابية؟ وقد سجل العام 2017 في أسابيعه الأخيرة مجموعة سقطات كان من أبرزها استقالة الرئيس سعد الحريري (ومن ثم العودة عنها ربطا بقانون »النأي بالنفس«)، والخلاف الدائر حالياً بين رئاستي الجمهورية ومجلس النواب حول مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994؟!
اللافت، أنه وعلى الرغم من التباينات حول العديد من القضايا والمسائل، فإن هناك شبه اجماع لبناني على مسألتين أساسيتين تعتبران من المحرمات:
– الأولى: النأي بالمؤسسة العسكرية وسائر المؤسسات الامنية عن التدخلات والصراعات السياسية الفئوية، وهي المؤسسات التي حققت انجازات أمنية بالغة الأهمية على مستوى محاربة الارهاب وتطهير جرود لبنان الشرقية، والشرقية – الشمالية من هذه الجماعات الارهابية، كما والانجازات التي تحققت في الداخل في حفظ الأمن والاستقرار على مستوى البلد ووحده وسلامة هذه المؤسسات..
– الثانية: الحفاظ على التوافق الاستراتيجي والمبدأي بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء) بالنظر الى ما يعنيه ذلك من أهمية تؤكد ان لبنان دولة مؤسساتية واحدة – موحدة، تقوم على مبدأ »المواطنة« وأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، من دون ان يعني ذلك الغاء حق الاختلاف في الرأي، التي هي من صلب العمل الديموقراطي وحرية التعبير عن الرأي؟!
ليس من شك في ان أي خرق لهاتين القاعدتين، او لأي منهما يضع البلد أمام وقائع بالغة الخطورة، على ما دلت عليه التجارب السابقة، ويهدد الدولة وسائر مؤسساتها.. وهي مسألة تنبهت لها العديد من الدول، لاسيما الاوروبية منها (وتحديداً فرنسا)، التي تظهر اهتماماً لافتاً بلبنان ودوره، في ظل ظروف اقليمية بالغة الخطورة، منبهة من مخاطر »الدعسات الناقصة« وداعية الى التمسك بالوحدة والاستقرار والأمن في لبنان، بالنظر الى المخاطر العديدة التي تحيط بلبنان ومنها ما يجري في المنطقة والخروقات الاسرائيلية المتمادية للسيادة اللبنانية، براً وبحراً وجواً، والتي ضربت رقماً قياسياً دعت قيادات الدولة العليا الى التفكير جدياً بتقديم شكوى الى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.. وهي تهديدات تتصاعد، لاسيما بعد اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب في السادس من كانون الاول الماضي، قرار نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس، واعلانها كعاصمة لـ»إسرائيل« وسط احتجاجات وتظاهرات في عدة دول اعتراضا على هذا القرار، توج بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية 128 دولة رفض هذا القرار.. بالتقاطع مع استمرار الانتفاضة الفلسطينية..
لقد فتحت عودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته، مقرونة بقرار »النأي بالنفس« باجماع حكومي، فرصة جديدة أمام لبنان لتحصين دوره والمضي في الانجازات التي تحققت على مدى »عهد الرئيس عون..« لكن المفاجأة جاءت هذه المرة من عين التينة، بعد اعتراض الرئيس نبيه بري على توقيع »مرسوم الاقدمية لضباط 1994، من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة، من دون توقيع وزير المال علي حسن خليل.. وهو راح بعيداً في مواجهته الرئاسة الاولى متهما اياها بخرق »الميثاق الوطني« و»اتفاق الطائف«، بسبب عدم توقيع وزير المال؟! لكنه، وبعد أيام قليلة، وعشية رأس السنة وبعد مراجعة دقيقة لمواقفه وما يمكن ان تؤول اليه بعد تمسك الرئيس عون بمواقفه والتزام الرئيس الحريري الصمت و»النأي بالنفس« عن مثل هذه الاشكاليات.. واستجابة للمساعي التي بذلت على خط تجاوز هذه المسألة وما يمكن ان تحمله (تتركه) من تداعيات، أعاد الرئيس بري قراءة مواقفه ليشير الى التالي:
– »ان ليس لأزمة مرسوم الاقدمية أي بعد مذهبي،و هي غير متصلة بضرورة توقيع وزير شيعي على المراسيم..«
– »النأي بالمؤسسة العسكرية عما يجري..« وهو (أي الرئيس بري) كان أبلغ قائد الجيش العماد جوزف عون، بأن المؤسسة العسكرية لا علاقة لها بهذه الازمة »وليس لدي شيء ضد الضباط«.. ملحقاً ذلك بدعوة المسؤولين المعينين الى ارسال مرسوم الاقدمية الى وزير المال »وأنا أضمن ان يوقع عليه..«.
في قناعة عدد من متابعي هذه المسألة، ان الأمور تتجه نحو الحل، وفي قناعة آخرين »ان المواقف مازالت على حالها«.. ولم يحصل بعد أي خرق يذكر.. على رغم الاتصالات المباشرة التي أجراها الامين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصر الله، والاتصالات التي أجراها ويجريها رئيس الحكومة سعد الحريري الذي قال وبوضوح لافت »ان البعض يريد تكبير هذا الموضوع، لكنه متعلق بأمر واحد، وأنا أعمل عليه، وكل الافرقاء سيصلون الى حل..« مشدداً على وجوب اعتماد الروية وحل المسألة بالتي هي أحسن فليس هناك من شيء يستعصي على ارادة المعنيين، ولبنان مرّ بتجارب قطوعات أصعب بكثير؟!