لم يكن طلاب كلية الطب في الجامعة اللبنانية يحسبون أن الأزمة الاقتصادية المالية ستنعكس سلباً على مشوار تخرّجهم. ففي ظل تأرجح سعر صرف الليرة اللبنانية، بات هؤلاء أمام معضلة تأمين «بدل» شراء مستلزماتهم ومعدّاتهم الطبية المسعّرة بالدولار الأميركي حصراً لكونها مستوردة. ولهذا، يجدون اليوم أنفسهم أمام نكبة حقيقية، مع وصول سعر الصرف في السوق السوداء إلى 8 آلاف ليرة لبنانية وعدم قدرتهم على تأمين مبالغ باتت خيالية
من أربعة آلافٍ و500 ليرة (3 دولارات) إلى 24 ألفاً، ارتفع سعر السن البلاستيكية التي يستخدمها طلاب كلية الطب – اختصاص طب الأسنان في الجامعة اللبنانية في حصّة التدريب. لم يحدث ذلك الارتفاع بسبب قرارٍ صادرٍ من الكلية، وإنما بسبب الأزمة الاقتصادية المالية وتأرجح سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي بات اليوم بحدود ثمانية آلاف ليرة لبنانية.
اليوم، لم يعد الطلاب في جامعة الفقراء قادرين على شراء تلك الأسنان التي باتت أسعارها تفوق قدرتهم المادية، خصوصاً في ظل حاجتهم إلى خمس أسنان أسبوعياً، أي ما يعادل 120 ألف ليرة. ما يعني 480 ألف ليرة شهرياً يقتطعونها من مصروفهم الشخصي.
في السابق لم يكن الطلاب يحسبون حساباً لتلك الأسنان، إذ لم تكن تشكّل عبئاً عليهم، أما اليوم فقد باتت همّاً يضاف إلى همومهم الأخرى، ولذلك رفعوا الصوت أخيراً، مطالبين إدارة الكلية ونقابة أطباء الأسنان بالتحرك الفوري لإيجاد حلّ لوضعهم. ففي هذا الظرف الراهن، وفي ظلّ التهديد برفع الدعم، «نحن أحقّ بصرف المال القليل المتوفر على الدواء والطعام والسكن، لا على شراء مستلزمات تعليمية باتت أسعارها خيالية وليست في متناول أغلبنا»، يقول أحد الطلاب. اليوم، يعجز هذا الطالب، كما غيره، عن تأمين سعر المستلزمات الأساسية التي يحتاج إليها، فكيف الحال بتلك الإضافية، ومنها الأسنان؟
في الأحوال العادية، كانت تُراوح تكلفة المستلزمات والمعدّات الطبية التي يستعملها طلاب كلية الطب في التعلّم والتدريب ما بين 7 آلاف و10 آلاف دولار للطالب الواحد، خلال مدة دراسته البالغة 5 سنوات. وكان هؤلاء قادرين على دفعها، إن كان بالدولار أو بالليرة . أما اليوم، فقد باتت هذه الأغراض «مكلفة جداً». فعلى سبيل المثال، كان الطالب يدفع في سنة الاختصاص الأولى ما يوازي 2500 دولار، أي ما يعادل 3 ملايين و750 ألف ليرة. أما اليوم، فقد انقلب مبلغ الثلاثة ملايين إلى عشرين مليوناً، وهو مبلغ مرشّح للتصاعد أكثر. وبات على الطلاب، في بعض الأحيان، البحث طويلاً عن بعض المستلزمات، بسبب النقص الذي تواجهه صيدلية عيادة طب الأسنان في الجامعة، والتي كانت تؤمّن تقليدياً جلّ المواد التي تستعمل في فم المريض. وهذه مشكلة كبرى، خصوصاً أن المستودعين الأساسيين اللذين كانت تشتري منهما الكلية تلك المواد «يمتنعان اليوم عن تسليم الأغراض إلى الصيدلية بسبب الأزمة الحالية». هذا ما يقوله الطلاب، نقلاً عن المعنيين في الكلية. ولئن كان الطلاب لا يملكون مفتاح الحلّ لتلك الأزمة، إلا أنهم يضغطون على إدارة الكلية لتأخذ القرار الذي يقضي بـ«إجبار المستودعات التي انتفعت من الجامعة طويلاً على تخفيض أرباحها وتحمّل عبء هذه الأزمة معنا». لكن، ذلك لم يحدث، إذ لم يصدر من إدارة الكلية تجاه الطلاب أي مبادرة، «فحتى الآن، لم يجتمع العميد معنا. ولم يعرض أي خطة للتعامل مع هذا الوضع»، يقول طالب آخر، ويعزو ذلك إلى أن «أساتذة في الكلية لهم أسهم وحصص بالمستودعات، ما يحول دون رفع الصوت الذي يهدد مصلحتهم ومصدر ربحهم». بسبب ذلك، يعمل اليوم الطلاب على صوغ مبادرتهم الخاصة، وذلك من خلال «توحيد جبهة طلاب طب الأسنان في مختلف الجامعات دفاعاً عن حقنا في التعلم وفي شراء الأغراض على أساس احتساب سعر خاص للطلاب»، يتابع الأخير. ويجري التفكير حالياً في مراسلة الشركات في الخارج وإطلاعها على وضع الطلاب في لبنان في محاولة للحصول على عروض خاصة. وكوجهة أولى، اختار الطلاب مراسلة شركات في الصين، ولكن يبقى هذا الخيار صعباً، لأن «هذا الأمر يحتاج إلى التعامل مع شركة استيراد وتصدير، وهو ما لا طاقة لنا على فعله». مع ذلك، لم يقفل الطلاب الباب على الحلول، إذ يتحضرون لتقديم اقتراح يقضي بأن«ترجع العائدات المالية التي تحققها عيادة الكلية إلى صندوق الكلية لا إلى وزارة المالية، ولا سيما أن موازنة الكلية متدنية ولا تكفي احتياجاتها إلى معدات جديدة، ومواد يحتاج إليها المرضى والحفاظ على صيانة الأجهزة». هذا ما يطمحون إلى فعله، انطلاقاً من أن هذه العائدات «يجب أن تذهب لدعم الطلاب في هذه الظروف القاهرة لتأمين المستلزمات وحاجات المختبرات، وإلا فثمة تهديد للقطاع وتطوّره، كما مستوى الطلاب». وفي هذا الإطار، يشير عميد كلية طب الأسنان في الجامعة اللبنانية، البروفسور طوني زينون إلى أن «عائد العيادات هو لوزارة المالية ولا يمكننا كإدارة التدخل»، وإن كان يعتبر أن «أموال العيادات يجب أن تستعمل لمصلحة المرضى لكي يتمكنوا من العلاج مجاناً أو عن طريق الحسم الخاص، لأن معظم المرضى من عامة الشعب الفقراء».
ارتفع سعر سن التدريب التي يستخدم الطلاب خمساً منها أسبوعياً إلى 24 ألف ليرة
يؤيد زينون حق الطلاب بالحراك، مع ذلك، يشير إلى أن «الغلاء الفاحش يصيبهم كما يصيب كل لبناني». ويؤكد في هذا الصدد أن الإدارة تشعر بمسؤولية تجاه هذا الأمر، مذكّراً بـ«أننا كنا دوماً في خط طلابنا عند شرائهم المواد التي يستعملونها والتي تصبح ملكهم عن طريق شرائها بالتقسيط المريح وعن طريق وضع السعر المقبول من جميع الطلاب والذي يوفر عليهم أموالاً طائلة». ويقول إنه في الوقت الذي كان «يدفع طلاب الجامعات الخاصة أكثر من عشرين ألف دولار لشراء مستلزماتهم ولكي يتخرّجوا، يدفع طلابنا فقط 350 ألف ليرة سنوياً بدل تسجيلهم، إضافة إلى شرائهم المواد التي يستعملونها في تخرّجهم». ولكن، ماذا بالنسبة إلى ما يحصل اليوم؟ لا يملك العميد زينون جواباً، كما لا تملك الإدارة تجاه هؤلاء… سوى الشعور بأزمتهم.