«ضربتين ع الراس بتوجع». يكاد يختصر هذا المثال حال قطاع طب الأسنان الذي يعيش، اليوم، تحت وطأة أزمتين مستفحلتين: الأزمة الاقتصادية والمالية وأزمة «كورونا». منذ عامٍ تقريباً، يئن القطاع من خسائر مضاعفة، خصوصاً مع تصنيف تقارير عالمية مهنة طب الأسنان كـ«الأكثر خطورة» في ظل الجائحة. وهو ما أوصل الأطباء إلى حافة «الوضع الحرج»، على ما يقول نقيب أطباء الأسنان في بيروت، الدكتور روجيه ربيز.
أسباب عدة لمشكلة هؤلاء تتساوى في الأهمية. فمن ناحية، أدى تفشّي فيروس كورونا إلى إقرار فترات إقفال طويلة أسهمت في تراجع أعمالهم واضطرارهم إلى إقفال عياداتهم. وحتى خلال فترات العودة التدريجية، لم تعد «الحياة» إلى تلك العيادات، إذ أثّر الفيروس أيضاً على شكل العلاقة بين الأطباء والمرضى، وهي علاقة بات يحكمها خوف متبادل: قلق كثير من الأطباء من التقاط العدوى «خصوصاً أن العمل يجري في فم المريض، وهو مصدر أساس لانتشار العدوى»، بحسب نقيبة أطباء الأسنان في طرابلس رلى ديب، وقلق كثير من المرضى الذين انقطعوا عن زيارة أطبائهم إلا في الحالات التي لا يعود فيها احتمال الأوجاع وارداً، لخوفهم من التقاط العدوى، وأيضاً من دفع المبالغ الكبيرة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وبعدما أصبح «خلع الضرس» يساوي الحد الأدنى للأجور!
لذلك، باتت العلاقة شبه مستحيلة اليوم بين الطرفين ما يُشعر الأطباء بأنهم دخلوا «تقاعداً مبكراً». ففيما كان معدل الزيارات اليومية إلى الأطباء (نحو 5 آلاف ) في بيروت وحدها يصل الى 30 ألف زيارة، بحسب تقديرات ربيز، صار المريض اليوم مثل «الصيدة»، خصوصاً أن معظم المرضى «باتوا يطلبون فقط العلاجات الضرورية التي تتطلب عدداً قليلاً من الزيارات».
الشق الآخر من المعاناة يعود الى تداعيات الأزمة الاقتصادية – المالية وانهيار سعر صرف الليرة الذي أثر بشكلٍ كبير على أسعار المواد والمستلزمات الطبية «المستوردة بمعظمها، من أبسط المواد، مثل الكفوف، إلى المواد التي تزيل الألم وتعالج الأسنان». وهذه، في رأي ديب، «ضربة قاضية للقطاع».
يشير ربيز إلى أنه كانت هناك محاولة للتخفيف من هذا الثقل، من خلال «العمل مع وزارة الصحة على إعداد لائحة بالمستلزمات الأساسية جداً والتي تشكل 20% تقريباً مما يستعمله أطباء الأسنان لدعمها، إلا أننا لم نحصّل شيئاً»، باستثناء بعض مواد البنج التي طالها الدعم، وهي – بحسب النقيبين – غير كافية. أما بقية المستلزمات التي تشكل نحو 10 ملايين دولار سنوياً، فإن أياً من اقتراحات الدعم لم يطلها، ولا أي اقتراح تقدمت به النقابتان. أضف إلى ذلك، أسهم انهيار سعر صرف الليرة في تراجع الخدمات الطبية، إذ لم يعد الأطباء قادرين على شراء المستلزمات لا بالدولار «الفريش» ولا وفق سعر صرف السوق، ما دفع بكثيرين إلى إقفال عياداتهم.
اليوم، «المعركة معركة وجود، هل نبقى أم لا؟»، يقول ربيز. وكلامه مبني على عدد «المنسحبين» من القطاع. لا أرقام دقيقة لديه لمغادري القطاع قسراً، إلا أنه يجزم بأن «كل من سمحت له الظروف والفرص بالرحيل ترك البلاد، وعدد هؤلاء كبير». أما بالنسبة إلى ديب، فلا مبالغة في القول إن «نحو 25% من الأطباء في طرابلس هاجروا أو يُعدّون أنفسهم للهجرة».