وجّهت الأزمة المالية ضربة موجعة الى مهنة طب الأسنان في لبنان، قبل أن تأتي أزمة «كورونا» التي تكاد توجّه اليها الضربة القاضية. أطباء الأسنان اليوم أمام خيار من ثلاثة: إما دعم مصرف لبنان للمواد الطبية، أو الخضوع لرحمة التجار والمستوردين، أو إقفال العيادات نهائياً
بعد ثلاثة أشهر على أزمة فيروس «كورونا»، وقبلها أشهر أخرى من الأزمة المالية – الاقتصادية، وجد أطباء الأسنان أنفسهم أمام «الكارثة»، على ما تقول نقيبتهم في الشمال رولا ديب. أول من أمس، رفع هؤلاء الصوت عالياً، بعدما ساءت الأحوال في القطاع الذي يضمّ 6 آلاف طبيب، وعقدوا لقاءً موسعاً في نقابة طرابلس، بمشاركة نقابة بيروت ونقابة أصحاب مختبرات الأسنان.
ورغم تشابه معظم مشاكل قطاع طب الأسنان مع غيره من القطاعات لناحية تأثير أزمة التحويلات المالية على أسعار المعدات والأدوات والمواد الطبية المستوردة، إلا أنه يحمل ثقلاً إضافياً يتعلق بـ«تصنيف» هذه المهنة في ظل الفيروس. ففي الآونة الأخيرة، صدرت تقارير عالمية عديدة اعتبرت طب الأسنان «من المهن الأكثر خطورة»، لاحتمال تعرض من يزاولها لالتقاط العدوى، خصوصاً أن المسافة بين طبيب الأسنان وفم المريض قصيرة جداً. لذلك، اتخذت نقابتا الأطباء في الشمال وبيروت قراراً بحصر العلاجات في العيادات بـ«الأعمال الطبية الطارئة والضرورية جداً». اليوم، بعد شهرين على القرار، يجد الأطباء أنفسهم في مواجهة «الجوع». وما يزيد الأمور سوءاً شعورهم بأنهم سيكونون آخر القطاعات التي ستعود إلى ممارسة العمل الطبيعي. لذلك، الأزمة اليوم «شاملة»، تقول ديب، من الأزمة المالية التي بدأت أواخر تشرين الثاني مع امتناع المصارف عن تحويل الأموال، إلى أزمة كورونا التي تأثر بها أطباء الأسنان مباشرة.
في الشق الأول، يشير نقيب أطباء الأسنان في بيروت روجيه ربيز إلى أن «أصعب ما نواجهه هو أن غالبية المواد والأدوات الطبية المستخدمة في العيادات مستوردة». وبما أن المصارف تمتنع عن فتح الاعتمادات والتحويل، يعمد مستوردو مستلزمات طب الأسنان إلى شراء الدولارات من السوق لاستيراد البضاعة، ما يضع الأطباء تحت «رحمة» التجار وبورصة أسعارهم. وهم عملوا جاهدين على خط الاتصالات مع وزارتي الصحة والاقتصاد ومصرف لبنان لمحاولة الحصول على بعض التسهيلات؛ إذ طلبت النقابتان، نهاية السنة الماضية، من مصرف لبنان فتح اعتمادات لمادة «البنج» باعتبارها مادة طبية تستخدم بشكل كثيف مع الدواء في عيادات طب الأسنان. غير أن الموافقة لم تأت إلا نهاية نيسان الماضي، مع صدور التعميم الرقم 530 الذي يؤمن بموجبه مصرف لبنان 85% من الدولارات، على أن يعمل المستوردون على تأمين الـ15% «fresh money»من السوق الموازية. نجح الأطباء في تحصيل هذه المادة، غير أن ما عدا ذلك لا يزال خاضعاً للسوق. ومنذ فترة، يسعى الأطباء لدعم مواد أخرى باعتبارها مواد طبية أساسية، إلا أنه «حتى الآن لا تزال في خانة الوعود»، يقول ربيز، موضحاً أن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة «طلب منا تصنيف المستلزمات من الضروري إلى الأقل ضرورة، وعلى هذا الأساس صنّفنا المستلزمات ضمن 3 فئات: المواد الطبية والأدوات الطبية ومن ثم المعدات الطبية، وحصلنا على وعد ببحث الموضوع مع مصرف لبنان والجهات المعنية».
الأولى بالنسبة إلى الأطباء اليوم، تأمين تسهيلات للمواد الأكثر استخداماً في العلاجات في عياداتهم، وهو المطلب الذي حملته ديب وربيز أمس إلى وزير الصحة العامة، حمد حسن، حيث «طلبنا دعم الأدوية التي نستعملها في العلاجات باعتبارها من الأساسيات أو السماح بتحرير حسابات الشركات المستوردة»، بحسب ديب، لافتة الى «ظاهرة» تهريب البنج إلى خارج لبنان في مقابل إدخال مواد «ليست ذات جودة» من الخارج، ما فتح الباب أمام «الأطباء غير الشرعيين وضرب القطاع». كذلك طالبت النقابتان الوزير «بفرض وزارة الصحة الرقابة على تسعيرة لوازم طب الأسنان».
انتظر الأطباء 4 أشهر قبل أن يعتبر مصرف لبنان البنج مادة طبية!
وفي مقابل «درس امكانية اعتبار المواد الطبية التي تستخدم في العيادات من المواد الطبية لدعمها»، طلب وزير الصحة من الأطباء «عدم التعاطي في الوقت الحالي بموضوع كلفة الطبابة على المواطن»، على ما يقول ربيز. لكنه لفت الى أن «الدرس» غالباً ما يستغرق وقتاً طويلاً في ظل الإجراءات البيروقراطية، والباب مفتوح أمام التجار والمستوردين لفرض ما يرونه مناسباً، فيما الأطباء «يقفون عاجزين، لا قادرين نغلي السعر على المواطن ولا قادرين نكمل مع هذا الواقع».
«المعاناة مستمرة»، تقول ديب، وهي تشمل 12 ألف شخص بين أطباء ومساعدين لهم. وتشير الى «عيادات كثيرة أقفلت في الآونة الأخيرة… منهم من باع أغراض عيادته، خصوصاً المستأجرين منهم، ومنهم من يسير على الطريق نفسه». والأزمة تنسحب أيضاً على عمل مختبرات طب الأسنان. فعندما يتوقف أطباء الأسنان «ستتوقف حتماً المختبرات».
لا تجد ديب كخلاصة للواقع الذي يعيشه الأطباء سوى الشعار الذي أطلقه مؤخراً الأطباء في فرنسا «on est devenu nu». وفي حال استمر الواقع على ما هو عليه اليوم، فثمة خيار واحد متاح: الإقفال.