يتفق «الثلاثي» غير المعلن رسمياً، الرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، على ضرورة العمل «وبكل الامكانات المتاحة وعلى الجبهات السياسية كافة» من أجل عدم تعريض لبنان لأية اهتزازات أمنية من النوع الذي يؤدي الى «الانهيار الشامل» … خصوصاً وان تجربة، بل تجارب لبنان مع «الحروب الأهلية» (الداخلية) كافية لأخذ الدروس والعبر..
في هذا الثلاثي، لكل دوره المنوط به.. فتجربة الرئيس بري ومبادراته المتلاحقة على أنه «خير من يرعى الحوارات الداخلية ويتابعها باتقان والمام» وهو الذي بات يدرك ويميز بين «الممكن والمستحيل».. وقد أقام جسور ترابط مع الجميع وتواصل شبه يومي، مباشرة او عبر وسطاء مقربين فيه. فالتواصل والحوار لازمتان لتعطيل أي خرق يدفع البلد نحو الانهيار..
والرئيس سلام، الذي حمل بجدارة لقب «أيوب»، استطاع في ظل الظروف الاستثنائية ان يمتص انتقادات الحلفاء المتتابعة، كما الخصوم.. ونادراً ما يخرج وسيط او مبعوث دولي او سفير من زيارة الى السراي إلا وتكون الاشادة بالرئيس سلام مقدمة كل حديث، لجهة «صبره وطول اناته ومواقفه الحكيمة والبناءة» وهو يواجه ظروفاً وأوضاعاً لا تدعو الى الراحة و«النوم على الحرير» كما يقال.
استجاب سلام لطلب عدم «قلب الطاولة» في وجه «المناكفين» و«المعترضين» من «الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب». قبل على مضض كل ما يقال ويشاع، على ألسنة «الحلفاء» كما على ألسنة الخصوم.. وفي ذاته رغبة، ليس الأوان أوانها، ليطل على الناس ويقول كل ما لديه.. لكنه استجاب لرغبة الراغبين و«عض على الجرح» وهو في موقعه في السراي الحكومي والملفات المأزومة تتوالى وتضغط، ورصيده الشعبي أمام امتحان..
أما جنبلاط، فهو الأقدر على ايصال الرسائل الى حيث لا يستطيع غيره ان يوصلها.. وهو يتسلح بموقعه وحاجة الجميع اليه والى صوته ودوره.. قادر على ايصال الرسائل وبوضوح وشفافية..
«الثلاثي» غير المعلن، يتعزز دوره يوماً بعد يوم، وبات يشكل «صمام أمان» بقاء اللعبة السياسية ضمن سقف يمنع التدهور والنزول الى الشارع.. الأحوال غير مرضية إجمالاً، بل هي مثيرة للقلق لدى كثيرين، في الداخل كما في الخارج، خصوصا وان بعض القوى الاساسية الفاعلة، لم تعد تقيم حساباً سوى لتحالفاتها وارتباطاتها الخارجية – الاقليمية.
وبانتظار عودة الرئيس بري من الخارج، فلقد جاءت زيارة جنبلاط «الخاطفة» الى المملكة العربية السعودية ولقاؤه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع محمد بن سلمان، كما لقاؤه الرئيس سعد الحريري، بالغة الدلالة، فتحت الأعين وحرّكت العديد من الاتصالات تسأل عن سر هذه الزيارة التي لم تكن في الحسبان..
يتجنب ابو تيمور الحديث عن ذلك، بانتظار عودة بري.. لكنه لا يخفي شعوره بالقلق مما يحصل من تطورات على المستوى الاقليمي وانعكاساتها على الداخل اللبناني، حيث «تورط البعض الى ما فوق الرقبة..»؟؟ الأمر الذي يستدعي العمل بأقصى ما يمكن لتبريد الأجواء ونزع فتائل التفجير التي تتحدث جهات أمنية بارزة عنها عبر «العديد من الخلايا النائمة..».
ما لم يقله جنبلاط، قاله، السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري وبالفم الملآن، ومن السراي الحكومي، بعد لقائه الرئيس سلام.. معرباً عن «الأمل في حصول تقارب بين القوى السياسية كافة (مع التشديد على كافة بما تعني ان لافيتو على أحد) لايجاد مخارج للأزمة الراهنة، بدءاً بالتوصل الى اجراء انتخابات رئاسة الجمهورية وما يستتبعها من استحقاقات..» المطلوب وضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة – (التي ستكون في قراءة البعض أكثر حدّة وقسوة لأنها ستكون بداية مرحلة الحلول السياسية) عنوانها اتخاذ القرارات الوطنية والحفاظ على الدولة ومؤسساتها، وتضافر الجهود كافة في سبيل تحقيق المصلحة العليا للبنان، وذلك في كل جلسات الحوار القائم حالياً.. وكل ذلك على خلفية «تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، خصوصاً أحداث سوريا».. (في اشارة واضحة لدور «حزب الله») وتحصين ساحته الداخلية وتعزيز وحدة أبنائه وتفعيل دور مؤسساته كافة..».
الرسالة السعودية واضحة.. مع ادراك الجميع ان الأوضاع الاقليمية ليست في متناول يد أي من الافرقاء اللبنانيين.. وها هو السفير الروسي في لبنان، الكسندر زاسبكين يقول ومن دون أي تردد او استعارات ديبلوماسية ان امكان انتخاب رئيس في لبنان «مسألة صعبة.. ونحن نعرف ان الرئاسة مرتبطة بالأوضاع الاقليمية، ولكن نريد ان تكون هناك ارادة وطنية لبنانية قوية لايجاد المخرج لهذا المأزق..»؟!
بانتظار عودة «راعي الحوارات» من الخارج، فإن الجميع يسلمون ان المطلوب في المرحلة الراهنة (- ومع سوء الاداء السياسي وارتهانه الى المحاور الخارجية) هو «ضرورة الحفاظ على الاستقرار الأمني، الورقة الوحيدة التي لاتزال – بنسبة عالية – في أيدي الافرقاء اللبنانيين الأساسيين.. وأخشى ما يخشاه البعض ان يتحول لبنان الى ورقة ضاغطة تستخدم في الصراعات الاقليمية… وما يحكى عن «خرائط جديدة لشرق أوسط جديد..»؟!