IMLebanon

ترحيل وإجرام وتوزيع أدوار بين «داعش».. والنظام

كثيرة هي المؤشرات والدلائل التي تؤكد المُخطّط التهجيري القسري الذي ينتهجه ويُنفذه كل من النظامين الإيراني والسوري في العديد من المدن والبلدات السورية تحت عنوان «المصالحة»، وذلك ضمن عملية «ترانسفير» مذهبي كانت بدأت ملامحه يوم احتل «حزب الله» مدينة القصير في محافظة حمص، وما زال حتى اليوم يمنع عودة أبنائها إليها. يومها حصل التهجير تحت حجّة تطهير المناطق الحدودية من الوجود الإرهابي، والذي استُكمل بالأمس القريب في بلدات مضايا والزبداني ووداي بردى.

بعد حيي جوبر والقابون الدمشقيين والوعر في حمص، حط رحال «الترانسفير» المذهبي أمس في حي برزة في دمشق، حيث وصلت الدفعة الأخيرة من مهجري هذا الحي إلى محافظة إدلب في الساعات الأولى من يوم أمس، تنفيذاً لاتفاق التهجير القسري الذي فرضه النظام على الأهالي بعد أشهر من العمليات العسكرية على أحياء جنوب دمشق. ويُستكمل هذا المخطط الإيراني – السوري في العاصمة التي لم يبقَ فيها سوى حي جوبر خارج سيطرتهما وتُستكمل عملية «طوق العاصمة»، ضمن الصفقة التي عُرفت باسم «المدن الأربع».. أي الفوعة وكفرية ومضايا والزبداني، بين حلف «الممانعة» وجبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً).

ومن المعروف أن الخطوة الأبرز لهذا الفرز المذهبي الواضح، كانت تجلّت منذ أشهر في شرق حلب الذي شهد أكبر عملية تهجير بحيث تشير التقديرات إلى أن عدد سكان هذه المناطق تراجع من نحو ثلاثة ملايين إلى 300 ألف نسمة. واللافت في المشروع الذي سعى النظامان الإيراني والسوري منذ بدايته إلى تثبيت خريطة «سوريا المُفيدة»، بعد عجزهما عن إحراز أي تقدم في العمق السوري، أن حلفاءهما وتحديداً «حزب الله»، يسير ضمن هذا المخطط تنفيذاً وإشرافاً، والأنكى أن إعلامه يروّج لهذا المخطط ويضعه ضمن «الانتصارات» التي ينفذها محور «الممانعة»، وليس في خانة التهجير القسري ونزع الممتلكات بالقوة تطبيقاً للتغيير الديموغرافي وتمهيداً لإعلان الدويلات المذهبية والموالية.

تؤكد التقارير التي تُرسلها جمعيات سورية وأجنبية معنية بالوضع القائم في سوريا، أن النظام السوري وحلفاءه يسعون الى تأمين الطريق الرابط بين دمشق والحدود اللبنانية بتهجير سكان قرى سنية وإسكان عائلات عراقية ولبنانية موالية له مذهبياً وسياسياً، وذلك من أجل تركيبة سكانية تحمي تخوم ما يسمى «سوريا المفيدة». وتشكك التقارير نفسها، في صحة إعلان «حزب الله» انسحابه من المواقع الحدودية خصوصاً أن القرى التي كان قد أعلن انسحابه منها، هي في الحقيقة المدماك الأساس لمشروعه التقسيمي والفرز السكاني الذي يعوّل على إحداثه من أجل تثبيت واقع جديد في تلك المناطق. وهو أي الحزب ما زال يمتنع عن البحث في الشق المتعلق بعودة أهالي بلدات في القلمون وهذا ما ظهر في الفترة الأخيرة بشكل واضح من خلال المفاوضات التي أجراها مع أحد الفصائل المسلحة حول الانسحاب من الجرود، ومنع عودة بعض هؤلاء العناصر إلى بلداتهم.

كل هذه «الاتفاقات» المعقودة تحت حملات التهديد والوعيد والترهيب والترغيب بالإضافة إلى عمليات القصف المُمنهج للمناطق حرقاً وقتلاً وتدميراً، كانت تترافق في كل جزء منها، مع حملة حصار مطبق تم خلالها منع دخول كل المواد الغذائية والطبية إلى البلدات، وهو أمر فاقم حجم المعاناة الإنسانية لآلاف المدنيين الذين دفعهم الجوع والمرض إلى ترك منازلهم والنزوح عنها كخيار وحيد للبقاء على قيد الحياة. كما يُضاف إلى هذه الممارسات القاتلة، موجة إهانات ومضايقات وعمليات ترهيب وخطف في الكثير من الأحيان. وبدا لافتاً في الفترة الأخيرة، أن عمليات التهجير القسري والتهديد بالجوع والعطش ومنع وصول الدواء للأطفال والمرضى، تحوّلت إلى أهم الوسائل لدى النظام وحلفائه لإفراغ البلدات من سُكّانها بعدما عجزوا عن تحقيق انتصارات فعلية على الأرض.

هي أيّام صعبة ولحظات مؤثرة يعيشها السوريون اليوم من جرّاء النزوح القسري الذي يواجهونه تحت مُسمّى «المفاوضات». ففي بلدة داريا في الغوطة الغربية ولدى نزوح السكّان عنها مع بداية العام الجديد، كان ثمة امرأة سبعينية تبكي وهي تودع المكان الذي ولدت فيه وتسأل من حولها: أي حرب هي التي تجعلك تجمع أشياءك وتغادر تاريخك إلى الأبد؟ أي حرب تلك التي تجعلك تغادر المكان الذي ولدت فيه وعشت وبنيت فيه أحلام عمرك ومستقبل أولادك؟. الإجابة تأتي من سؤال آخر: ما الذي يجعل الناس يبقون في بيوتهم تحت وطأة حرب لا ترحم وموت يُحاصرهم ويفتك بهم؟.

معاناة الشعب السوري، لا تقتصر على إرهاب النظامين الإيراني والسوري وحلفائهما وممارساتهم الإجرامية، بل تنجم أيضاً عن القتل والإجرام وحملات الإعدام التي يُنفذها تنظيم «داعش» بحق هذا الشعب لتظهر وكأن هناك دوراً إجرامياً متكاملاً بين «الممانعة» و«داعش» يُنفذ بحق السوريين. ويظهر هذا التكامل الإجرامي من خلال مجزرة الأمس التي ارتكبها «داعش» بحق أهالي حي الجورة في مدينة دير الزور، مستهدفاً الأحياء السكنية بعشرات قذائف الهاون، ما أدى الى وقوع مجزرة راح ضحيتها 14 شهيداً وجرح أكثر من 50 آخرين أغلبهم من النساء والأطفال. وفي دير الزور أيضاً، ثمة دراسة حول التهجير القسري والحصار أعدها فريق حملة «لا للتهجير القسري في سوريا»، تؤكد أن ستة أحياء تعرضت للتهجير القسري في محافظة دير الزور، حيث هناك 750 ألف مهجر، وعشرات آلاف المحاصرين من قبل تنظيم «داعش» الذي يجاري النظام قتلاً ورعباً، ممارساً عمليات تطهير وتهجير في المناطق التي يُسيطر عليها في سوريا.

هي فصول معاناة إنسانية جديدة تجتمع في سوريا. معاناة تتوزّع إطلالاتها من منطقة إلى أخرى بإدارة النظامين الإيراني والسوري اللذين لا يوفران أسلوباً قمعياً وإجرامياً، إلّا ويُنفذانه بحق شعب يرفض مغادرة أرضه ويُصرّ على الدفاع عنها حتّى ولو كان الثمن قتل عائلات بأكملها. فمن الممارسات داخل السجون وعمليات القتل على الهوية، إلى البراميل المتفجرة واستخدام الأسلحة الكيميائية، يُدخل اليوم الحلف «الممانع» أسلوباً جديداً إلى أجندة إرهابه من خلال استخدامه وسيلة الحصار والتجويع ومنع الدواء واستملاك البيوت والأراضي بقوّة السلاح، ولتسقط بموجبها كل ادعاءات «الطهارة» و«الواجبات الجهادية» و«حماية المقدسات» وعنوان «التضحية بثلثي الطائفة الشيعية من أجل أن يحيا الثلث المُتبقي بكرامة».