اذا أخذنا بالاعتبار ألاّ أحداً أكثر براعة من بارونات الطوائف عندنا، ان في دفع عقارب الساعة الى الوراء، أو في تكريس هذا الستاتيكو الأبوكاليبتي…
استطراداً، هل حقاً أن الأميركيين عادوا الى خطة هنري كيسنجر، وبدفع من المؤسسة اليهودية، لترحيل المسيحيين من لبنان، ولكن هذه المرة لاحلال النازحين السوريين محلهم. بالاضافة الى مَن تبقى من اللاجئين الفلسطينين، وأولئك الذين ينزحون من الجليل؟
كفانا حديثاً عن الدولة العلمانية، أو عن الدولة المدنية. لنعد الى لقاءات البطريرك الياس الحويك وجورج كليمنصو في فرساي، حيث لا يزال يتناهى وقع أقدام لويس الرابع عشر، وهو يختال في أروقة القصر.
تكريس للقاعدة الايديولوجية والتاريخية للدولة اللبنانية. تركيبة طائفية بقيادة الطائفة المارونية، لتنقلب وثيقة الطائف على هذا الواقع، بتعديلات دستورية جوهرية والى حد اتهام احدى المرجعيات الروحية المسلمين، بأنهم فعلوا في لبنان ما يفعله الشيعة في العراق. تكريس ثقافة الفساد والفوضى وحتى التبعية.
ما نقل الينا أن تلك المرجعية تعتبر أن الفراغ (أو التفريغ) من رئاسة الجمهورية، الى حاكمية المصرف المركزي، ثم قيادة الجيش، عملية مبرمجة لتحويل المسيحيين الى… أهل ذمة.
اقرار بأن «الفجوة النوعية» بين الجانبين (مستوى التعليم، تمركز الثروات، ديناميكية الحداثة… ) قد ضاقت كثيراً. واذا بدا أن القوى العظمى التي لا تعنيها سوى مصالحها، فهي تميل الى الأكثرية الاسلامية في المنطقة، دون أن تكون معنية بالدلالات الحضارية للوجود المسيحي في الشرق بوجه عام، وفي لبنان بوجه خاص…
لا بل أن هناك بين القوى اياها من يبدي ضيقه من الصيغة اللبنانية كنموذج مضاد للنموذج «الاسرائيلي»، وحيث منطق الغيتو يحل محل منطق الدولة.
قناعة لدى نخب مسيحية بأن المسيحيين ليسوا موجودين لا على الأجندة الأميركية، ولا في الوجدان الأميركي، والا لما كانت الادارة تضغط على الأوروبيين وعلى غيرهم، لتحويل النازحين السوريين الى «حالة لبنانية» لا بد أن يكون لها دورها، وربما قبل حلول العقد المقبل في اعادة صياغة المشهد اللبناني.
العودة الى أفكار ميشال شيحا، كمنظّر للقومية اللبنانية، والذي حذر من نظرة المؤسسة اليهودية الى لبنان، كظاهرة هجينة تهدد بزعزعة البنية الفلسفية للكيان «الاسرائيلي». كلام كثير حول ما قامت وتقوم به تلك المؤسسة لتقويض الدولة اللبنانية.
بكل معنى الكلمة، الثلاثي بنيامين مننياهو ـ ايتامار بن غفير ـ بتسلئيل سموتريتش نتاج المؤسسة اياها. وعلى لبنان أن يتوقع الأسوأ من هذا الثلاثي. لا حرب بوجود معادلة توازن الرعب على جانبي الخط الأزرق، لكن تهجير آلاف الفلسطينيين على جدول أعماله، كسبيل لاقامة «الدولة اليهووية « (نسبة الى يهوه).
مَن يعود الى أوراق ذلك النوع من اليمين «الاسرائيلي»، ومنذ ايام الحاخام مئير كاهانا، يلاحظ تنديده بالمثال اللبناني الذي يتمحور حول التفاعل الثقافي والأخلاقي، وحتى حول التفاعل الدستوري.
من هذه الزاوية، يظهر مدى قصور المنظومة السياسية حتى في قراءة الاحتمالات، لا في اتخاذ ما يلزم للتصدي لها. شيء ما أقرب الى التواطؤ غير المباشر مع ذلك السيناريو الرهيب، في حين تتكاثر الدعوات الى الفديرالية التي يثار حول الدعاة لها الكثير من الشكوك.
هؤلاء الذين لا يدركون «المعنى الفذ» للتفاعل بين المسيحيين والطوائف الأخرى في لبنان، بتسويق لغة الغيتو، حتى أن النائب السابق، اليميني الهوى، فارس سعيد يرى في الكانتون مقبرة للمسيحيين، بل ومقبرة لسائر اللبنانين…
نخب مسيحية تبدو الآن وقد فقدت ثقتها بالأوروبيين والأميركيين كحماة للمسيحيين. واذ ترى أن مشكلة المسيحيين هي في «عدم وضوح ما يريدون»، يراهنون على دور عربي لمعالجة أزمات لبنان، الذي يعني زواله شق الطريق امام المؤسسة اليهودية وتفكيك خارطة المنطقة، مع تحويل الدول المستحدثة الى مستوطنات «اسرائيلية».
لكننا ماضون بخطى حثيثة نحو الهاوية. على جان ـ ايف لودريان أن يحمل معه اكليلاً من الزهر…