IMLebanon

ترحيل النفايات: «الوجهة» لا تزال مجهولة

 

بعد يومين، تنتهي المهلة المحددة لشركة «شينوك» البريطانية، المكلفة تنفيذ إجراءات الترحيل، لتسليم الحكومة المستندات التي تثبت موافقة الدولة التي ستُصدّر النفايات إليها، وإلّا فهي مهددة بخسارة كفالتها المصرفية البالغة قيمتها مليونين ونصف مليون دولار. حتى ذلك الوقت، سيبقى الإعلان عن وجهة النفايات «طي الكتمان» تفادياً لتكرار ما حصل مع الشركة الهولندية التي انسحبت من السباق في الأسبوع الماضي

خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، الخميس الماضي، أكّد رئيس الحكومة تمام سلام أن عملية الترحيل ستبدأ قريباً جداً. حينها قالت المصادر الوزارية إن العقد مع الشركة التي ستتولى التصدير «سيوقّع في الأيام القليلة المُقبلة، على أن يبدأ الترحيل في غضون أسابيع»، مؤكدة أن الشركة لن تُعلن وجهة الترحيل إلّا بعد توقيع العقد.

تمديد قبل الترحيل

حتى اليوم، لم يُعلن اسم البلد «المستورد» للنفايات، ما يعني أن العقد لم يوقع بعد، وأن «الأيام القليلة» قد يجري تمديدها، أسوة بما حصل خلال الأيام الماضية. فمنذ أكثر من شهر، صرّح وزير الزراعة أكرم شهّيب لـ«الأخبار» بأنه «عند مطلع الأسبوع المُقبل (أي منذ ثلاثة أسابيع تقريباً) سنكون عند أولى خطوات الترحيل»، لافتاً إلى أنه «يجري التحضير حالياً (حينها) للبنى التحتية» (http://www.al-akhbar.com/node/247933). خلال هذه الفترة، بقيت أعمال التحضير للبنى التحتية «مُبهمة»، إذ لم تُفهم طبيعة هذه الأعمال «التحضيرية»، فيما بقي اسم الدولة المصدّر إليها مجهولاً.

حالياً، ثمة استحقاق «داهم»، يحتّم الكشف عن وجهة هذه النفايات، استكمالاً لمسار المباشرة بخطة الترحيل التي طال انتظارها، وإلا فإن الشركة ستخسر الكفالة وسيتم تكليف مجلس الإنماء والإعمار باستدراج عقود جديدة.

تجربة سيراليون

وكانت جلسة مجلس الوزراء قد أقرّت في 20 كانون الأول 2015 قراراً يقضي بإعطاء الشركتين مهلة شهر لتحديد وجهة النفايات وموافقة الدولة المصدرة لها، تحت طائلة خسارة الكفالة المصرفية المحدّدة بمبلغ 2.5 مليون دولار (تنتهي المهلة الأربعاء المقبل). إلا أن مصادر مطّلعة عزت التكتّم عن إعلان «وجهة» النفايات، إلى الخشية من تكرار تجربة سيراليون مع الشركة الهولندية. هذه الأخيرة كانت قد أعلنت أنها تلقت موافقة مبدئية من الدولة المعنية، وأبرزت كتاباً موجهاً إليها وموقّعاً من مستشار الرئيس السيراليوني يتضمن الموافقة على استقبال النفايات الصادرة من لبنان. إلا أن قنصل سيراليون في لبنان، دونالد روي جوزف، نفى منح الشركة الهولندية مثل هذه الموافقة، وأصدر بياناً يشير إلى أنه تلقى «اتصالاً من رئيس جمهورية سيراليون أرنست باي كوروما، لإعلام الجهات المسؤولة في الدولة اللبنانية والرأي العام أن الخبر الذي نشر في بعض الصحف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، عن موافقة مبدئية بموجب خطاب من الرئيس والحكومة السيراليونية بقبول استيراد النفايات اللبنانية على أراضيها من قبل الشركة الهولندية، هو خبر عار من الصحة ولا أساس له». وتقول المصادر إن تسريب خبر موافقة سيراليون ونفيها لاحقاً، أديا إلى انسحاب الشركة، وإن «من فشّل عملية الترحيل إلى سيراليون هي تلك الاتصالات التي أجراها رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع أفراد من الجالية اللبنانية ذات النفوذ القوي هناك». فقد تبيّن أن تراجع سيراليون سببه الضغط الذي مارسته الجمعيات البيئية في غرب أفريقيا والتي دفعت الحكومة السيراليونية الى التراجع، «وبالتالي لا يريدون تكرار التجربة عبر الإعلان المُسبق عن الدولة»، مشيرة إلى أسماء الدول المطروحة كأوكرانيا وقبرص التركية.

«مقاولات» تحت الطاولة

الأحاديث المتداولة بين رجال الأعمال والسياسيين تذهب في اتجاه رواية ثانية عن سبب انسحاب الشركة الهولندية وعدم قدرتها على تأمين قيمة الكفالة المالية المتمّمة حكماً لشروط توقيع العقد معها. في البدء، بات واقعاً أن خروج الشركة الهولندية من الصفقة أدّى حتماً إلى بقاء الشركة الإنكليزية واستئثارها وحدها بكل العملية، فضلاً عن أنها الشركة التي قدّمت عرضاً لتسلّم معملي فرز النفايات. وبالتالي، فإن الأمر بات يثير الكثير من الشكوك عن أن هذه الشركة ستحصل وحدها على القسم الثاني من العقود التي أقصيت عنها سوكلين، طالما أن الأمر لم يجر ضمن مناقصة معلنة، بل بالسر والكتمان.

التكتّم عن إعلان «وجهة» النفايات سببه الخشية من تكرار تجربة سيراليون

عملياً، يبدو الأمر كتقاسم أعمال بين سوكلين وشينوك. والمثير للاستغراب أن سبب هذه الثنائية هو خروج الشركة الهولندية لأنها لم تؤمن الكفالة المالية. فهل يعقل أن هذه الشركة التي يديرها ويشرف على أعمالها وزير اقتصاد سابق في جزيرة كوراساو التابعة للحكومة الهولندية لم تستطع تأمين الكفالة؟

في الواقع، إن أهمية الكفالة المالية، في هذا الوضع بالذات، أنه في حال عدم التزام الشركة بتقديم إثباتات أو مستندات تشير إلى موافقة دولة أو دول على استقبال النفايات وفقاً للمعاهدات الدولية والقوانين المحلية المصدّرة إليها النفايات، يحقّ للدولة اللبنانية مُصادرة الكفالة التي تبلغ 2.5 مليون دولار. ولذلك كان ضرورياً لهذه الشركة تأمين الكفالة المصرفية. إلا أن تهافت المقاولين والسياسيين لمشاركة الشركتين مقابل منحهما «حصانة سياسية»، دفع الشركة الهولندية إلى البحث عن دعم مناسب لها في لبنان.

يتردّد أن المسؤول عن الشركة، ناصر حكيم، كان يتفاوض مع مدير تنفيذي في شركة نقل بحري مملوكة من جاك سعادة، وعلى صلة مع الوزير ميشال فرعون، من أجل تأمين الكفالة. ينفي فرعون أي صلة له بهذه الشركة، وقال في اتصال مع «الأخبار»: «لا أعلم من هي الشركة الهولندية أصلاً». نفي فرعون جاء تعليقاً على المعلومات التي تقول إن الكفالة كانت مؤمنة عبره، وإنه طلب الاطلاع مسبقاً على المستندات التي تثبت امتلاك الشركة موافقات من البلدان لاستقبال النفايات، نظراً إلى أهمية الأمر وضرورته من أجل عدم مصادرة الكفالة. وتشير المعلومات الى أن فرعون اتصل برئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر وسأله عن هذه المستندات، إلا أنه تلقى إجابة «مشكولة» لأن الشركة لم تقدم أوراقها بعد! علماً بأن المعلومات كانت تفيد بأن حكيم كان يؤكد أن المستندات موجودة، وأن ضمّها إلى الملف غير ممكن من دون الكفالة المصرفية وتوقيع العقد، وهو تلقى (لاحقاً) اتصالاً من مقاول مشهور يعرض عليه الدخول في شراكة، تقوم على تأمينه الكفالة المالية مقابل تسليمه عمليات النقل من مواقع النفايات إلى ظهر الباخرة.

لم يتسنّ الحصول على تعليق المقاول المذكور، إلا أن المعلومات المتداولة أفادت بأن حكيم وافق على أساس أن هذا المقاول يمون على أكثر من طرف سياسي. تقول المعلومات إن وعود المقاول بتأمين الكفالة لم تتحقق حتى ظهر يوم الجمعة، أي حتى انتهاء مهلة تقديم الكفالة. يومها، اتصل بحكيم وقال له إنه يعمل على الأمر ويحتاج إلى يومين إضافيين، فجرت اتصالات مع رئيس الحكومة تمام سلام لمنح الشركة مهلة تقديم الكفالة ووافق سلام على مهلة تنتهي عند الرابعة من بعد ظهر الاثنين الماضي. انتظر حكيم حتى تلقى اتصالاً من المقاول نفسه عند الرابعة إلا ربعاً من يوم نهاية المهلة يبلغه فيه أنه لم يؤمن الكفالة. عندها خرجت الشركة الهولندية من السباق. لكن المعلومات المتداولة تزعم أن المقاول نفسه كان يتفاوض مع الشركة البريطانية أيضاً وأنه استعمل مفاوضاته مع الشركة الهولندية لتحسين موقعه التفاوضي مع الشركة البريطانية.

شينوك مستفيدة

تقول المعلومات المتداولة إن رئيس غرفة التجارة والصناعة محمد شقير أمّن للشركة البريطانية الكفالة مع أحد رجال الأعمال اللبنانيين. إلا أن شقير نفى في اتصال مع «الأخبار» أي صلة له بهذه الشركة، وقال: «لو كان هذا الأمر صحيحاً، لن أخجل في إعلانه».

هناك شكوك بأن عملية الترحيل «ستبدأ في غضون أسابيع». يعزى ذلك إلى ضعف إمكانية إنجاز أعمال الترحيل خلال المُهل الجاري تداولها، إذ إن ثمة أعمالاً يجب المباشرة فيها قبل بدء عملية الترحيل (أعمال التحضير للبنى التحتية التي أشار إليها شهيب سابقاً). ولذلك يستبعد مصدر وزاري متابع للملف إمكانية إزالة النفايات بالطريقة المنصوص عليها بالخطة بأقلّ من شهرين، «لأن عمليات التوضيب والعصر واللف والنقل على البواخر تفرض تطوير معملَي العمروسية والكرنتينا، وهذا لم يحصل حتى الساعة».