زاسبكين لـ«السفير»: الترحيب السياسي لا يعني الموافقة القانونية
الترحيل يتحول إلى مهزلة.. وشهيب يطلب 48 ساعة «للتدقيق»
لم يسبق أن استهترت السلطة بعقول اللبنانيين وصحتهم إلى هذه الدرجة. كل حقيقة تقولها خلفها كمٌّ من التلفيق والكذب. وكل قرار تأخذه خلفه صفقات وشبهات… فيما يبقى المواطن آخر من يعلم.
ما حصل مع سيراليون تكرر مع روسيا. نفي وكذب وتزوير ومصالح وعمولات، وسعي إلى نفض اليدين من المسؤولية.
سبعة أشهر مرت على أزمة النفايات، والحكومة تنتقل من فشل إلى آخر ومن عجز إلى آخر. لا أحد من المسؤولين بحاجة إلى تذكيره أنه لو حصل ربع ما يحصل في لبنان لطارت حكومات ومجالس نيابية وربما رؤساء. لكن للأمانة، لم تترك الحكومة هذا الملف. جلسات مطولة عقدتها وخرجت مزهوة بقراراتها. كل قرار جاء مناقضاً للذي سبقه. في البداية كانت مناقصات التلزيم التي سقطت، ثم خطة الوزير أكرم شهيب التي سقطت بدورها، وها هو الترحيل يترنح أيضاً.
ولكن ما الذي يحصل فعلاً؟ لا إجابة. كل شيء مبهم وكل شيء بحاجة إلى منجّم لفك طلاسمه. حتى المهل القانونية صارت حمالة أوجه، وتم تخطيها. وفيما كان «مجلس الإنماء والإعمار» ينام في عسل انتظار «الحقيبة الديبلوماسية» التي تحمل معها المستند الأصلي الذي يبين موافقة وزارة البيئة الفدرالية الروسية، هبط نفي موافقة روسيا على استقبال النفايات اللبنانية من كل حدب وصوب.
البداية كانت من وزير الطاقة والخدمات في إقليم كراسنودار الكسندر فولوشين، الذي وصف تلك الأنباء بـ «التلفيقات المعتلة»، مؤكدا عدم وجود مثل هذه الصفقات لدى وزارته. وأشار إلى أن منطقة كوبان التي تحدثت المعلومات عن نقل النفايات اللبنانية إليها، هي منطقة منتجعات ومصحات.
بعد ذلك، نقلت وكالة «تاس» عن مسؤول في وزارة البيئة الاتحادية الروسية قوله إن المستند الذي يشير إلى الموافقة على استقبال النفايات مزور. وأضاف: «بعد اكتشافنا التزوير، ناشدنا وكالات إنفاذ القانون ملاحقة المشاركين في هذه الأعمال غير المشروعة، وجلبهم للمساءلة القانونية».
كما أشار إلى أن «تصدير النفايات يخضع لاتفاقية بازل وذلك يخضع لإجراءات محددة ومعقدة، حيث يقع على البلد الأجنبي تقديم مذكرة وفق نموذج محدد إلى السلطة المعنية بإدارة الاتفاقية وليس إلى وزارة البيئة الروسية كما ورد في الوثيقة المزورة».
وأمس أيضاً، نفت «لجنة الموارد الطبيعية والبيئة» في مجلس النواب الروسي (الدوما) «تقارير إعلامية حول نقل نفايات من لبنان إلى منطقة كراسنودار الروسية لإتلافها».
وقال عضو اللجنة ليونيد أوغل إنه ليس لديه أي معلومات تشير إلى أن روسيا تنوي نقل نفايات أية دولة إليها بما في ذلك لبنان. ووصف أوغل نقل النفايات إلى روسيا بالأمر غير المقبول لأنه سيتسبب بكارثة بيئية حقيقية وسيضر بالاقتصاد. كما نقلت وكالة «نوفوستي» عنه أن «روسيا لا تجري أي مفاوضات بشأن استيراد النفايات أو التخلص منها، وجميع ما ذكر في الإعلام هو محض خيال وأوهام».
وأخيراً، أعلن السفير الروسي ألكسندر زاسبكين، بعد لقائه الرئيس سعد الحريري، أن لا علاقة للسفارة بمعاملات الترحيل. وهو ما عاد وأكده لـ «السفير»، موضحاً أن موضوع الوثائق يتم بين الشركات وبين الجهات الرسمية الروسية. وهو إذ يكرر، ما قاله للرئيس تمام سلام عن أن روسيا تريد إيجاد حل لموضوع النفايات في لبنان، إلا أنه يؤكد أنه لا يجوز الخلط بين الموقف المبدئي الروسي الساعي إلى مساعدة لبنان، وبين الأمور اللوجستية التي تتولاها الشركات والجهة المعنية بإعطاء التراخيص، أي «الخدمة الفدرالية».
كما يوضح زاسبكين أن الترحيب السياسي لا يعني بالضرورة الحصول على الموافقة القانونية من «الخدمة الفدرالية». أما بشأن ما صدر من مواقف روسية تنفي أي اتفاق مع لبنان، فيشير زاسبكين إلى أن لا معلومات رسمية لديه، وهو قرأ في الإعلام ما قرأه الجميع.
كل ذلك يجري ولبنان صامت. لا بيان يوضح حقيقة ما يجري ولا موقف رسمياً يضع الأمور في نصابها. حتى الوزير أكرم شهيب يرفض التعليق على ما صدر في الإعلام الروسي، مكتفياً بالإشارة إلى أن الدائرة القانونية في «مجلس الإنماء والإعمار» هي وحدها القادرة على التأكد مما إذا كانت المستندات مزورة أم لا. وهو لذلك، يدعو إلى انتظار موقف المجلس، مشيراً إلى أن الساعات الـ48 المقبلة ستكون حاسمة في هذا الملف.
وإذا كانت مصادر «شينوك» تنفي أن تكون بصدد ترحيل النفايات إلى إقليم كراسنودار، فإن شهيب لا يزال يراهن على المواقف المشجعة التي صدرت من السفير الروسي في لبنان ووزير الخارجية الروسي، مشيراً إلى أنه بالنسبة له لا تزال الأمور على حالها: لبنان ينتظر استكمال «شينوك» للوثائق التي تحمي لبنان في موضوع التصدير، وإذا لم يحصل ذلك، أو تبين أن الأوراق ليست صحيحة، فعندها لكل حادث حديث.
الخمسون مليون دولار لا تزال في جيب الدولة اللبنانية، بالرغم من أنها هبطت على «مجلس الإنماء والإعمار» فجأة، وفي الوقت الذي كان وزير المالية يشكو من تفليسة الخزينة. خمسون مليون دولار، يمكنها أن تؤسس لإدارة متكاملة للنفايات، بحسب كثر من البيئيين، الذي يصرخون «أوقفوا مهزلة الترحيل»، داعين إلى حفظ ماء الوجه والعودة إلى خطة الطوارئ التي وضعها شهيب نفسه.