Site icon IMLebanon

الشعب الوديع عندما  يصل الى الطريق المسدود

من أسوأ ما يمكن أن يحدث، هو أن يبقى لبنان ما بعد الانتخابات البلدية مثل ما كان قبلها… وكان الراحل صائب سلام قد أطلق شعار لبنان واحد لا لبنانان. وأراد بذلك أن يقول إنه يرفض انقسام لبنان الى لبنانين، أحدهما لبنان المسلم وثانيهما لبنان المسيحي، وتخطى ذلك الى لبنان الواحد بجميع بنيه. ويبدو اليوم أن لبنان عاد الى الانقسام الى لبنانين، ولكن هذه المرة بصورة مختلفة عن السابق. الانقسام في هذه المرحلة بين لبنان من فوق، ولبنان من تحت! وفوق تعني الفريق الذي يمسك بالسلطة، ويحشد حوله كل المنتفعين بها والمستفيدين منها، وهؤلاء لهم لبنانهم الخاص بهم. وتحت تعني سائر الناس من مختلف المكونات والانتماءات. وأظهرت الانتخابات البلدية أن شهية هؤلاء مفتوحة على الاختيار والانتخاب واطلاق دينامية جديدة لصنع القرار… بينما لبنان الآخر الذي هو فوق لا يريد أية انتخابات ولا أي تغيير، بل يريد تأبيد وجوده في السلطة!

***

وجَّه رئيس المجلس النيابي حتى الآن ٣٩ دعوة الى انعقاد المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي كل مرة يتوجه فريق من النواب الى قاعة المجلس النيابي ويغادرونها بعد نصف ساعة بعد الاعلان عن عدم توافر النصاب الدستوري، ثم يتبارون بالتصريحات خارج القاعة، لتحميل مسؤولية تطيير النصاب الى الفريق المتغيّب من النواب. ويبدو في الظاهر أنهم على حق، وأنه تم القبض على الفريق الاخر في حالة تلبس… ولكن الحقيقة لا تُرى بعين واحدة وانما بعينين اثنتين معاً. وفي واقع الأمر، فإن المسؤول عن التعطيل هو الفريقان معاً، وكل واحد بأسلوبه الخاص. والفريق الذي يريد تأبيد وجوده في السلطة، والاحتفاظ بأكثريته الراهنة الى الأبد، يرفض اجراء انتخابات جديدة والاحتكام الى الشعب، الا بموجب القانون الذي يضمن عودته على رأس الأكثرية نفسها… ويردّ الفريق الآخر بمقاطعة جلسات الانتخاب الرئاسية!

***

محاولة – قد لا تكون أخيرة – قام بها الرئيس بري لحسم الاختيار بين ثلاثة توجهات، وليس في الأفق ما يشير الى أن سحر الساحر سيقود الى أي تغيير هذه المرة أيضاً! وجرياً على العادة، فإن غالبية من هذه الطبقة السياسية ترفض قبول أي تغيير ما لم يتم إرغامها عليه! وأخفّ أنواع الإرغام أن يأتيها الأمر من الخارج الاقليمي أو الدولي… ولكن مَن يضمن أن هذا الشعب الذي أقبل على الانتخابات البلدية بهذا القدر الكبير من الوداعة، انه سيبقى كذلك عندما يصل الجميع الى الطريق المسدود في نهاية المطاف؟!