Site icon IMLebanon

حقوق المودعين مقدّسة!!  

 

كثر الجدل حول من يتحمّل مسؤولية إنفاق أموال المودعين،

 

وراح كل فريق يحاول أن يرمي بكرة المسؤولية في مرمى فريق ثانٍ متنصلاً من المسؤولية.. وكأنّ المسؤول الأول عن عملية الإنفاق هذه غير معروف… مع انه معروف تماماً….

 

يحمّل البعض مسؤولية هذا الإنفاق للمصارف… ويتناسون أنّ المسؤولية الكبرى تقع على الدولة التي تتحمّل هي وحدها مسؤولية الهدر عبر سلطاتها ووزرائها خصوصاً وزراء النفط والطاقة والتي سأفصّل مسؤوليتهم الكاملة في هذا المقال.

 

لقد حرمت الأزمة المالية اللبنانية المستمرة منذ العام 2019 معظم المودعين من الحصول على مدخراتهم… هذه الحال دفعت عدداً متزايداً من المودعين لعمليات اقتحام بنوك تحت تهديد السلاح لمحاولة استعادة مدخراتهم. وكأنّ المصارف -كما أوحى البعض لهم- هي المسؤولة عن إنفاق هذه الودائع. وهنا يعود السؤال المحوري الى الواجهة.. في تبديد أموال المودعين بسياسات نقدية سيّئة… على من تقع المسؤولية: الدولة أم المصارف أم مصرف لبنان؟

 

لقد مضى أكثر من أربعة أعوام على انفجار الأزمة المالية والنقدية في لبنان وصولاً الى الفراغ الرئاسي وتفكك إدارات الدولة وانهيارها تدريجياً، وتفاقم الأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والصحية حتى التربوية… ولم تحرز البلاد أي تقدّم يذكر على مسار الاصلاح، لا بل زادت الأزمة تفاقماً وتعقيداً بإجراءاتها المجتزأة والعشوائية.

 

وكانت النتيجة هدر أموال المودعين… ولا يزال هؤلاء ينتظرون «غودو» وهو الحلم الخيالي الذي ينتظره الحالمون. أعتقد وبكل موضوعية ان الدولة هي المسؤولة عن الفجوة التمويلية وهي مُلْزمة بالتأكيد بتعويض المودعين. فالدولة سحبت 62.2 مليار دولار من المصارف.

 

لقد استكمل الاقتصاد اللبناني مسار التدهور مع انهيار العملة الوطنية بشكل دراماتيكي. من هنا، فإنّ الأزمة الاقتصادية التي عاشها لبنان قضت على معظم احتياطاته من العملات الأجنبية، والأسباب كثيرة:

 

أولاً: سياسة دعم السلع والمواد الأساسية التي تمّ العمل بها خلال سنوات الأزمة… ما أدى الى تراجع قيمة الاحتياطات الأجنبية في مصرف لبنان من 34.73 مليار دولار في منتصف تشرين الأول عام 2019 الى 8.7 مليارات دولار في منتصف تشرين الأول عام 2023.

 

ثانياً: إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017. إذ لم يكن إقرار السلسلة على قدر التوقعات، ما جعل مالية الدولة في مصير مجهول.

 

إنّ سلسلة الرتب والرواتب هذه تدل على فشل التخطيط الاقتصادي والمالي في لبنان. إنّ إقرار هذه السلسلة أظهر خطورة الوضع المالي من ناحية الاستحقاقات التي تنتظر الخزينة والتي تتمثل بزيادة في الإنفاق العام وفوائد الدين العام، أي الأجور والفوائد نظراً لأعداد الموظفين العالية، وهم الذين تسلموا وظائفهم عشوائياً عبر المحسوبيات والسمسرات.

 

ثالثاً: خسائر الكهرباء

 

لا يزال شبح وزير الطاقة الأسبق «طفل الأنبوب والصهر المدلّل» جبران باسيل مخيّماً على ملف الكهرباء حتى اليوم… فهو لم يكتفِ بعشر سنوات من النكث بالوعود والفشل في تأمين الكهرباء أو الحدّ من الهدر الحاصل في هذا القطاع، حتى وصل به الأمر الى عرقلة درس العروض المقدّمة من شركتين لتشغيل معملي الزهراني ودير عمار على الغاز وبأسعار ممتازة، وقصة رفضه للقرض الكويتي وسيطرته التامة على وزارة الطاقة عبر «أحبائه» من «التيار» حتى وصلنا اليوم، ورغم خسارة ما لا يقل عن 45 مليار دولار على الكهرباء الى صفر كهرباء بسبب نِعَم «الصهر المدلل».

 

رابعاً: لماذا شنّ الحملات على البنوك… ونحن نعلم تماماً ان هناك قوانين يجب تعديلها في مجلس النواب أولاً… فحتى يكون القانون صحيحاً، فإنّ الاقتراض بالدولار مثلاً يجب أن يُعاد بالدولار… بمعنى آخر، على من يأخذ قرضاً أن يعيده بالعملة نفسها. لقد خسرت البنوك ما لا يقل عن 30 مليار دولار نتيجة هذا القانون الهجين.

 

وهنا أسأل عضو كتلة «القوات اللبنانية» ورئيس لجنة العدل النيابية، والذي أعطى مثالاً لتاجر أخذ قرضاً بالدولار ثم أعاده كما يحلو له… لماذا لم يعمد حضرة النائب في المجلس النيابي مع كتلته منذ زمن لتعديل هذا القانون الذي كبّد المصارف خسائر كبيرة جداً؟

 

خامساً: لأوّل مرة في تاريخه، أعلن لبنان في 7 آذار 2020 التخلّف عن تسديد إصداراته من «اليورو بوند»، وعدم دفع مستحقاته في عهد حكومة الرئيس حسان دياب..

 

هذا يعني ان الدولة لن تتمكن من إصدار مزيد من السندات في السوق العالمية، أو بمعنى آخر انها لن تستطيع الحصول على مزيد من الديون. علماً بأنّ الدولة اللبنانية أعربت عن امتناعها عن دفع مستحقاتها قبل الدخول في مفاوضات مع الدائنين.

 

سادساً: علاقة لبنان بالبنك الدولي

 

استهل لبنان شراكته مع مجموعة البنك الدولي في آب عام 1955 بتمويل مشروع الليطاني اعتباراً من 2017، وحتى أيار عام 2017 تلقى لبنان ما يقارب مليار دولار من المساعدات المالية والاستثمارات من البنك الدولي… وهنا أتساءل عن أسباب فشل التفاهم مع البنك الدولي حالياً.

 

سابعاً: إنّ تردّي الوضع المالي في لبنان هو مسؤولية سوء الادارة في الدولة. ولأُعطِ أمثلة عن شركات لبنانية توفرت لها الادارة الجيّدة، فنجحت نجاحاً باهراً:

 

ألف- شركة طيران الشرق الأوسط بإدارة الاستاذ محمد الحوت… إذ كيف كانت وكيف صارت وكيف حقّق لها الحوت أرباحاً خيالية؟

 

باء- الريجي برئاسة المهندس ناصيف سقلاوي ومدير عام المؤسّسة والذي تسلّم المؤسّسة منذ عام 2002… فنهض بهذه المؤسّسة من نجاح الى نجاح، وحققت في عهده أرباحاً طائلة.

 

جيم- أتساءل هنا ماذا حقّق رجل الأعمال اللبناني الذي يحمل أيضاً الجنستين البرازيلية والفرنسية الذي شغل منصب رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي لشركتي نيسان اليابانية ورينو الفرنسية؟

 

لقد أدى نجاح كارلوس غصن في إعادة الانتعاش الاقتصادي وزيادة أرباح «رينو» بعد قيامه بإعادة هيكلة جزئية للشركة أواخر عام 1990 الى تحقيق أرباح كبيرة ونقل الشركة من «خاسرة» الى رابحة جداً. وفي بداية عام 2000 أنقذ شركة نيسان من الإفلاس الموشك عام 1999 حتى انه نال لقب «حلّال المشاكل».

 

هذه الأمثلة، وكثير غيرها تجعلني أصرّ على ان الأزمة المالية في لبنان سببها الأول والأهم سوء إدارة الدولة، وتكديس الموظفين عشوائياً، والقرارات الارتجالية التي لا تصب -بالتأكيد- في خانة البلد.

 

ثامناً: إنّ نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي اعترف بقوله حين وصف الوضع في لبنان: «الناس أقرضت المصارف بالإيداع، والمصارف أقرضت مصرف لبنان، وبعدما تضخّم الاحتياطي أقرض الدولة بناء لطلبها التي قامت بمشاريع فاشلة منها الدعم وتثبيت سعر الليرة ودعم الكهرباء (التي قضى عليها باسيل). كل هذا استفاد منه الفاسدون واستنزف الدخل القومي».

 

كلام الشامي يعني ان المدين للناس والمصارف هي الدولة اللبنانية وعليها سداد الديون والودائع عاجلاً أم آجلاً. والدولة تستطيع ذلك بسهولة بعد إصلاحات تطال جميع القطاعات وتطوير الإدارة لتتماشى مع الخدمات، وتعزيز المداخيل من القطاعات الكثيرة التي تملكها الدولة من خلال الأملاك البحرية والنهرية، ومنع التهريب، وتقليل عدد الموظفين، وتحويل القطاعات في الدولة الى قطاعات منتجة كالكهرباء والاتصالات والمطار والمرافئ… هذه المداخيل تدخل خزينة الدولة فتصبح قادرة على إعادة أموال المودعين لأنها مقدّسة.