IMLebanon

إعتصموا…

 

إعتصموا… في بيت الأمّـة اعتصموا… واعتصموا بحبلِ الله وإرادة الشعب، وتشبَّهوا بالكرام.

 

هكذا، إعتصم نواب الجمعية الوطنية إبّان الثورة الفرنسية، فمَنْ هو منكم خطيبُ الثورة «ميرابو» يقول لرسول الملك، قُلْ لسيّدك: نحن هنا بإرادةِ الشعب ولـن نخرج إلاّ على أسنَّةِ الحراب.

 

أنتُمْ يا ممثّلي الأمة.

لعّلكُمْ، في أبراجكم العاجيّةِ فـوق، لا ترون ما تتخبّطُ به الأرضُ من كوارث.

 

إليكم إذاً، ما نراهُ نحنُ الذين تحت…

عندنا… بلادٌ محروقةٌ تتراقص على ألسنةِ اللّهب، ورجالُ الإطفاء يرقصون حـول النار كمثل الهنود الحمر…

 

أرضٌ تترَّنح فوق الأرض وحجرٌ يتدحرج فوق حجر…

 

جمهوريةٌ جوفاء بلا رئيس، حكومةٌ عرجاء بلا ثقة، سلطة بلا مسؤول، أمنٌ سائب للرعاع، جريمةٌ تستفحل بالقتل والسلب والتهريب، سجونٌ متخمةٌ بالخارجين على القانون من داخلٍ ومن خارج، والقضاءُ يتشابكُ مع القضاء…

 

دولارٌ يتنافسُ مع الريح، جوعٌ يتراكم، فقـرٌ يتفاقم، مرضى يتأرجحون بين أشداق الموت.

 

طالبةٌ جامعيةٌ من «آل رحّال» تعرضُ هوّيتها اللبنانية للبيع لمعالجة والدها المريض، والنازحون يصادرون الهوّية، يحتلّون نصف لبنان، ومواهب شعب لبنان تنزح في لبنان وفي أصقاع القارات الخمس.

 

ومن البليّةِ مع هذا، أنْ يقف المجلس النيابي أمام الأهوال كأنّه «أبو الهول» على رمال النيل، ينتصب كالجماد في متحف الدولة، فيما الدولة تتحوّل إلى مجلس عـزاءٍ والشعب فيها مِن الندّابين.

 

في أبراجكم العاجيّةِ فـوق سحائب غيمٍ وضباب، وانتخاب الرئيس في الضباب ضلال.

 

لا تفتّشوا عن اسم الرئيس في سجلاّت دوائر نفوسكم…

ولا في التسجيلات الصوتية تسرّبها دوائر السفارات ومخابراتها…

 

فتّشوا عن اسم الرئيس في أرغفة الخبز، ورفوف الصيدليات، وأسرَّةِ المستشفيات، وصفوف المدارس والجامعات وخلف لصوص الصيرفة والمصارف…

 

فتّشوا عن صورة الرئيس في مغاور الفقراء، وحناجر البؤساء، وصراخ الأطفال، وأنين الأيتام، والأيدي التي تلتقط القوتَ خلسةً من فضلات مآدب أثرياء الحرب وأثرياء النهب.

 

فتّشوا عن صورة الرئيس على ضوء القناديل والشموع الشاحبة، قبل أنْ تعلّقوا صورتَهُ في دوائر الدولة المظلمة، ومن تحتها تُرتكب الفواحش، وتُختلَسُ الصناديق، وتزوَّرُ المعاملات وتستشري الرشوة.

 

هو الرئيس الذي يشمخ في خيمةٍ على الحدود، ويرتسم رمزاً وطنياً في العلم، يبدّد آثار الإنفجار الهمجي عن سماء بيروت والإنفجار الحقوقي عن وجهِ أمّ الشرائع، يمحو عن الدولة علامة العار، ويرفع فوقها إشارة العنفوان التاريخي.

 

أسقطوا الرئيس الذي يبْصمُ بالعشرين، يوقّع على بياض، ويمسحُ الجـوخ على الأكتاف ويرتمي في الأحضان المنتفخة.

 

أسقطوا الرئيس الذي يتشوّه في عهده وجهُ لبنان الحضاري ليرتدي كفَناً متوحِّشاً على غـرار أنظمة القمع الدموي، وسلاطين مضيق «البوسفور»…

 

أنتم، يا ممثِّلي الأمة…

هل تنتظرون كلمة السّر…؟

وحدكم تتحمّلون مسؤولية جسيمة يحاسبكم عليها التاريخ…

 

فإنْ لمْ تستطيعوا اليوم، فلن تستطيعوا غداً…

وإنْ سقطتُمُ اليوم، فلنْ تنهضوا غداً…

بلْ، سيكون سقوطكُمْ عظيماً، ويكونُ عظيماً سقوطُ لبنان العظيم.